تابع: أمر محيصة وحويصة
رواية أخرى في قتل محيصة اليهودي
قال ابن هشام : وحدثني أبو عبيدة عن أبي عمرو المدني ، قال لما ظفر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببني قريظة أخذ منهم نحو من أربعمائة رجل من اليهود ، وكانوا حلفاء الأوس على الخزرج ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن تضرب أعناقهم ، فجعلت الخزرج تضرب أعناقهم ويسرهم ذلك ، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخزرج ووجوههم مستبشرة ، ونظر إلى الأوس فلم ير ذلك فيهم ، فظن أن ذلك للحلف الذي بين الأوس وبين بني قريظة ، ولم يكن بقي من بني قريظة إلا اثنا عشر رجلا فدفعهم إلى الأوس ، فدفع إلى كل رجلين من الأول رجلا من بين قريظة وقال : ليضرب فلان وليذفّف فلان فكان ممن دفع إليهم كعب بن يهوذا ، وكان عظيما في بني قريظة فدفعه إلى محيصة بن مسعود وإلى أبي بردة بن نيّار - وأبو بردة الذي رخص له رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن يذبح جذعا من المعز في الأضحى - وقال ليضربه محيصة وليذفف عليه أبو بردة ،فضربه ضربة لم تقطع ، وذفف أبو بردة فأجهز عليه ، فقال حويصة : - وكان كافراً - لأخيه محيصة : أقتلت كعب بن يهوذا ؟ قال : نعم ، فقال حويصة ، أما والله لرب شحم قد نبت في بطنك من ماله ، إنك للئيم يا محيصة ، فقال له محيصة : لقد أمرني بقتله من لو أمرني بقتلك لقتلتك فعجب من قوله ثم ذهب عنه متعجباً . فذكروا أنه جعل يتيقظ من الليل ، فيعجب من قول أخيه محيصة . حتى أصبح وهو يقول : والله إن هذا لدين . ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم ،فقال محيصة في ذلك أبياتا قد كتبناها .
المدة بين قدوم الرسول بحران وغزوة أحد
قال ابن إسحاق : وكانت إقامة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بعد قدومه من نجران ، جمادى الآخرة ورجبا وشعبان وشهر رمضان ، وغزته قريش غزوة أحد في شوال ، سنة ثلاث .
غزوة أحد
من حدث ابن إسحاق بغزوة أحد
وكان من حديث أحد ، كما حدثني محمد بن مسلم الزهري ، ومحمد بن يحيى بن حبان وعاصم بن عمر بن قتادة والحصين بن عبدالرحمن بن عمر بن سعد بن معاذ ، وغيرهم من علمائنا ، كلهم قد حدث بعض الحديث عن يوم أحد ، وقد اجتمع حديثهم كله فيما سقت من هذا الحديث عن يوم أحد قالوا ، أومن قال منهم :
قريش تجمع المال لحرب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه
لما أصيب يوم بدر من كفار قريش أصحاب القليب ، ورجع فلُّهم إلى مكة ورجع أبو سفيان بن حرب بعيره ، مشى عبدالله بن أبي ربيعة ، وعكرمة بن أبي جهل ، وصفوان بن أمية ، في رجال من قريش ، ممن أصيب آباؤهم وإخوانهم يوم بدر ، فكلموا أبا سفيان بن حرب ومن كانت له في تلك العير من قريش تجارة ، فقالوا : يا معشر قريش ، إن محمدا قد وتركم ، وقتل خياركم ، فأعينونا بهذا المال على حربه ، فعلَّنا ندرك منه ثأرنا بمن أصاب منّا ، ففعلوا.
ما نزل فيهم من القرآن
قال ابن إسحاق : ففيهم ، كما ذكر لي بعض أهل العلم ، أنزل الله تعالى : " إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون ، والذين كفروا إلى جهنم يحشرون "
اجتماع قريش للحرب
فاجتمعت قريش لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فعل ذلك أبو سفيان بن حرب ، وأصحاب العير بأحأبيشها ، ومن أطاعها من قبائل كنانة ، وأهل تهامة ، وكان أبو عّزة عمرو بن عبدالله الجمحي قد منّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر وكان فقيرا ذا عيال وحاجة وكان في الأسارى فقال : إني فقير ذو عيال وحاجة قد عرفتها فامنن علي صلى الله عليك وسلم ، فمنّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له صفوان بن أمية يا أبا عزة إنك امرؤ شاعر فأعنا بلسانك فأخرج معنا ،فقال : إن محمداً قد منّ علي فلا أريد أن أظاهر عليه ، قال بلى فأعنا بنفسك فلك الله علي إن رجعت أن أغنيك ، وإن أصبت أن أجعل بناتك مع بناتي يصيبهن ما أصابهن من عسر ويسر ، فخرج أبو عزة في تهامة ويدعو بني كنانة ويقول :
أيها بني عبد مناة الرُزَّام * أنتم حماة وأبوكم حام
لا تعدوني نصركم بعد العام * لا تسلموني لا يحلُّ إسلام
وخرج مسافع بن عبد مناف بن وهب بن حذافة بن جمح إلى بني مالك بن كنانة يحرضهم ويدعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال :
يا مال ، مال الحسب المقدَّم * أنشد ذا القربى وذا التّذمُّم
من كان ذا رحم ومن لم يرحم * الحلف وسط البلد المحّرم
عند حطيم الكعبة المعظم
ودعا جبير بن مطعم غلامًا له حبشيًا يقال له : وحشي يقذف بحربة له قذف الحبشة ، قلما يخطئ بها ، فقال له : أخرج مع الناس فإن أنت قتلت حمزة عمّ محمد بعمّي طعيمة بن عدي ،فأنت عتيق .
خروج قريش ومن معها
فخرجت قريش بحدّها وجدّها وحديدها وأحأبيشها ،ومن تابعها من بني كنانة وأهل تهامة ،وخرجوا معهم الظعن ،التماس الحفيظة ،وألا يفروا . فخرج أبو سفيان بن حرب ، وهو قائد الناس . بهند بنة عتبة وخرج عكرمة بن أبي جهل بأم حكيم بنت الحارث بن هشام بن المغيرة وخرج الحارث بن هشام بن المغيرة ، بفاطمة بنت الوليد بن المغيرة ، وخرج صفوان بن أمية ببرزة بنت مسعود بن عمر بن عمير الثقفية ، وهي أم عبدالله بن صفوان بن أمية .
قال ابن هشام : ويقال رقيّة .
قال ابن إسحاق : وخرج عمرو بن العاص بريطة بنت منبه بن الحجاج ، وهي أم عبدالله بن عمرو ، وخرج طلحة بن أبي طلحة وأبو طلحة عبدالله بن عبدالعزى بن عثمان بن عبدالدار بسلافة بنت سعد بن شهيد الأنصارية ، وهي أم بني طلحة : مسافع والجلاس وكلاب ، قتلوا يومئذهم وأبوهم ، وخرجت خناس بنت مالك بن المضرب ، إحدى نساء بني مالك بن حسل مع ابنها أبي عزيز بن عمير ، وهي أم مصعب بن عمير ، وخرجت عمرة بنت علقمة إحدى نساء بني الحارث بن عبد مناة بن كنانة ، وكانت هند بنت عتبة كلما مرت بوحشي أو مر بها ، قالت : ويها أبا دسمة اشف واستشف ، وكان وحشي يكنى بأبي دسمة ، فأقبلوا حتى نزلوا بعينين ، بجبل ببطن السبخة ، من قناة على شفير الوادي ، مقابل المدينة .