دور مالك المدرسة الأهلية
في الارتقاء بالمخرجات التربوية والتعليمية للمدرسة
مقدمة :
التعليم هو الركيزة الأساس التي تبنى عليها حضارة الأمم وتقدمها وتطورها ، وهو الرئة النابضة التي تتنفس من خلالها الشعوب ، والقلعة المنيعة التي تتحصن بها المجتمعات على مختلف أنواعها ومسارها وثقافاتها وحضارتها ، لذا كانت المقولة السائدة " وراء كل أمة عظيمة تربية عظيمة " مقولة لها دلالاتها العميقة والمتجذرة في نفوس من هم أكثر الناس حرصاً على التعليم والتعلم ، غير إن المقولة السابقة والتي تناقلناها عن غيرنا من الأمم لم تظهر من فراغ ، بل هي قديمة قدم ديننا الإسلامي الحنيف الذي دعا إلى التعلم والتعليم ، وأشاد بدور العلم والعلماء ، وصنف الناس إلى متعلمين ، وآخرين غير متعلمين وفرق بينهم في عدم الاستواء في العلم فقال جل وعلا :
{ قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون } الآية 9 من سورة الزمر .
وقوله تعالى :{ إنما يخشى اللهَ من عباده العلماء } الآية 28 من سورة فاطر .
كما بين الرسول المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم أهمية العلم والحرص على التعلم فقال : " اطلبوا العلم ولو في الصين " . وقال : " من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة " . وقال : " العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة " أو كما قال .
وقد أولت المملكة العربية السعودية التعليم جل اهتمامها منذ أن تم توحيدها على يد المغفور له جلالة الملك عبد العزيز طيب الله ثراه ، فافتتحت المدارس وأنشئت مديرية للمعارف ولكنها كانت متواضعة بتواضع الإمكانات المالية يومها . وبعد أن قطعت الدولة في ذلك شوطاً ، وتغيرت الظروف وتحسنت الأحوال كان للتعليم أولوياته في سلّم أعمالها . فتم إنشاء وزارة المعارف التي عُهد إلى خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز مهامها ومسؤولياتها الكبرى آنذاك ليبدأ بالوزارة وبالتعليم مرحلة جديدة سميت بحق مرحلة الانطلاق ، " حيث تسلم الأمير الشاب مهام الوزارة الجديدة على أن تخطو بالتعليم خطوات واسعة وسريعة كما وكيفا ، لتحلق المملكة بالركب السائر المتقدم والتعويض عما فاتها من فرص التعليم في العهود السابقة " . (1)
وكان لقطاع التعليم الأهلي يومئذ مشاركته الطيبة ودوره الفاعل الذي لا ينكره شاهد على الرغم من الفاقة وقلة الإمكانات التي تساعد على وجود مؤسسات تعليمية متميزة . فساهم مساهمة كبيرة في النهوض بالحياة العلمية والفكرية . وفي سياق حديثنا عن دور مالك المدرسة الأهلية في مخرجات التعليم ، ومن خلال المقارنات بين الماضي والحاضر سنرى حجم العطاء التعليمي الأهلي الذي تشهده البلاد اليوم .
* المدارس الأهلية وارتباطها بالتعليم العام الحكومي :
مرَّ التعليم الأهلي أسوة بنظيره الحكومي بمراحل تعليمية مختلفة منذ العهد السعودي الأول ، وحتى تأسيس المملكة العربية السعودية وإنشاء وزارة المعارف ، مروراً بالعهد العثماني ، وعهد الشريف حسين في الحجاز . فكان التعليم الأهلي ومثله التعليم الحكومي في تلك العهود تعليماً متواضعاً ضعيفاً إلى أبعد الحدود ، لا يكاد يكون له دور يذكر ويحصر في بعض الكتاتيب وفي المسجد الحرام ، إلى جانب بعض المدارس التي تم تأسيسها في العهد العثماني الأول في مكة المكرمة والتي لا تتجاوز أربعة مدارس وهي : ( 2 )
1- المدرسة المالكية السلمانية ، وكانت أرقى المدارس الأربعة .
2- المدرسة الحنيفية . 3- السليمانية الشافعية . 4- دار التوحيد .
ويذكر السباعي عن التعليم في العهد العثماني الأول في الحجاز " إنه كان تعليما محدودا للغاية ولعله بذلك يتناسب مع العصر الذي نتحدث عنه فقد أنشأ العثمانيون المدارس الأربعة آنفة الذكر ليدرس علماء مكة فيها مذاهب الفقه " . (3)
ولم تكن نجد والأحساء بأحسن حالاً فقد تحدث الأستاذ عبد الوهاب عبد الواسع في معرض حديثة عن التعليم في منطقة الأحساء ونجد في العهد العثماني الأول قائلاً " أما الجزء الشرقي من المملكة وأعني به إقليم الأحساء فلم يكن أحسن حظاً ، فإذا انتقلنا إلى قلب الجزيرة " نجد " وجدنا أنها لم تنعم بأي نوع من أنواع التعليم أو الاستقرار في الحكم نتيجة للصراع
ــــــــــــ
1 ـ نشرة التوثيق التربوي العدد 40 ص15 .
2 ـ عبد الرحمن صالح عبد الله : تاريخ التعليم في مكة المكرمة ص78.
3 ـ أحمد السباعي : تاريخ مكة ج2 ص111.
القبلي السائد فيها فعاشت في جهالة فادحة إلى أن قيض الله لها المصلح المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب (1) .
أما في العهد العثماني الثاني فيحدثنا السباعي عن التعليم في الحجاز ويخص منه بالذكر مكة المكرمة فيقول " ويبقى التعليم في مكة في هذا العهد على وتيرته التي ورثها من القرون السابقة يتلخص في طلب العلم في حلقات الدرس التي ينظمها العلماء في المسجد الحرام ، أو في المدارس التي ينشئها المحسنون لإيواء الطلبة أو تدريسهم ، وفي بعض دور العلماء الذين كانوا يمنحون طلبتهم دروساً خاصة " . (2)
ويحدث صاحب كتاب ماضي الحجاز وحاضره قائلا : " إن المعارف في الحجاز في أيام الأتراك ليست براقية ، ولم تر لها أثراً سوى مدارس ابتدائية حكومية لا يستفيد منها العربي غير اللغة التركية وشيء من المبادئ المدرسية . (3)
ومجمل القول ظل التعليم في الحجاز طوال القرن الثالث عشر الهجري محصوراً في الكتاتيب التي تعلم القرآن الكريم ، وبعض المدارس الابتدائية والحرمين الشريفين وفيها يدرس الطلبة العلوم الدينية واللغة التركية ، وهكذا نرى أن سياسة العزلة التي مني بها الحجاز كانت من أهم العوامل التي أدت إلى تأخر نهضته . ويرى أحد الباحثين أن تلك السياسة التركية كانت ترمي إلى إضعاف الروح القومية وتخذيل التعاون الثقافي بين الشرقيين قصداً من الأتراك على إبقاء الجهلاء على جهالتهم والقاصرين على قصورهم . (4)
ولقد كان الحجازيون مطرين إلى هذا الاتجاه ـ كما يذكر أحمد السباعي ـ ليسايروا الحياة ويحصلوا على عيشهم في ظل هذا الحكم ، ذلك لأن الوظائف الحكومية كانت وقفاً على من يجيدون التركية دون سواها . (5)
وفي أواخر العهد العثماني الثاني أنشأ بعض المحسنين عدداً من المدارس الأهلية تمثلت في التالي :
1- المدرسة الصولتية وأسسها في مكة المكرمة عام 1290ه الشيخ محمد رحمة الله العثماني
1- المدرسة الفخرية وأسسها في مكة المكرمة عام 1296هـ الشيخ عبد الحق قاري .
2- مدرسة برهان الاتحاد وأسسها في مكة المكرمة عام 1327هـ الدستوريون الأتراك .
ــــــــــــ
1 ـ عبد الوهاب عبد الواسع : التعليم في المملكة العربية السعودية ص30 .
2 ـ أحمد السباعي : تاريخ مكة ج2 ص206 .
3 ـ حسين نصيف : ماضي الحجاز وحاضره ج1 ص111 .
4 ـ أحمد جمال : ماذا في الحجاز ص13 .
5 ـ لأحمد أبو بكر إبراهيم : الأدب الحجازي في النهضة الحديثة ص51
في الارتقاء بالمخرجات التربوية والتعليمية للمدرسة
مقدمة :
التعليم هو الركيزة الأساس التي تبنى عليها حضارة الأمم وتقدمها وتطورها ، وهو الرئة النابضة التي تتنفس من خلالها الشعوب ، والقلعة المنيعة التي تتحصن بها المجتمعات على مختلف أنواعها ومسارها وثقافاتها وحضارتها ، لذا كانت المقولة السائدة " وراء كل أمة عظيمة تربية عظيمة " مقولة لها دلالاتها العميقة والمتجذرة في نفوس من هم أكثر الناس حرصاً على التعليم والتعلم ، غير إن المقولة السابقة والتي تناقلناها عن غيرنا من الأمم لم تظهر من فراغ ، بل هي قديمة قدم ديننا الإسلامي الحنيف الذي دعا إلى التعلم والتعليم ، وأشاد بدور العلم والعلماء ، وصنف الناس إلى متعلمين ، وآخرين غير متعلمين وفرق بينهم في عدم الاستواء في العلم فقال جل وعلا :
{ قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون } الآية 9 من سورة الزمر .
وقوله تعالى :{ إنما يخشى اللهَ من عباده العلماء } الآية 28 من سورة فاطر .
كما بين الرسول المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم أهمية العلم والحرص على التعلم فقال : " اطلبوا العلم ولو في الصين " . وقال : " من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة " . وقال : " العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة " أو كما قال .
وقد أولت المملكة العربية السعودية التعليم جل اهتمامها منذ أن تم توحيدها على يد المغفور له جلالة الملك عبد العزيز طيب الله ثراه ، فافتتحت المدارس وأنشئت مديرية للمعارف ولكنها كانت متواضعة بتواضع الإمكانات المالية يومها . وبعد أن قطعت الدولة في ذلك شوطاً ، وتغيرت الظروف وتحسنت الأحوال كان للتعليم أولوياته في سلّم أعمالها . فتم إنشاء وزارة المعارف التي عُهد إلى خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز مهامها ومسؤولياتها الكبرى آنذاك ليبدأ بالوزارة وبالتعليم مرحلة جديدة سميت بحق مرحلة الانطلاق ، " حيث تسلم الأمير الشاب مهام الوزارة الجديدة على أن تخطو بالتعليم خطوات واسعة وسريعة كما وكيفا ، لتحلق المملكة بالركب السائر المتقدم والتعويض عما فاتها من فرص التعليم في العهود السابقة " . (1)
وكان لقطاع التعليم الأهلي يومئذ مشاركته الطيبة ودوره الفاعل الذي لا ينكره شاهد على الرغم من الفاقة وقلة الإمكانات التي تساعد على وجود مؤسسات تعليمية متميزة . فساهم مساهمة كبيرة في النهوض بالحياة العلمية والفكرية . وفي سياق حديثنا عن دور مالك المدرسة الأهلية في مخرجات التعليم ، ومن خلال المقارنات بين الماضي والحاضر سنرى حجم العطاء التعليمي الأهلي الذي تشهده البلاد اليوم .
* المدارس الأهلية وارتباطها بالتعليم العام الحكومي :
مرَّ التعليم الأهلي أسوة بنظيره الحكومي بمراحل تعليمية مختلفة منذ العهد السعودي الأول ، وحتى تأسيس المملكة العربية السعودية وإنشاء وزارة المعارف ، مروراً بالعهد العثماني ، وعهد الشريف حسين في الحجاز . فكان التعليم الأهلي ومثله التعليم الحكومي في تلك العهود تعليماً متواضعاً ضعيفاً إلى أبعد الحدود ، لا يكاد يكون له دور يذكر ويحصر في بعض الكتاتيب وفي المسجد الحرام ، إلى جانب بعض المدارس التي تم تأسيسها في العهد العثماني الأول في مكة المكرمة والتي لا تتجاوز أربعة مدارس وهي : ( 2 )
1- المدرسة المالكية السلمانية ، وكانت أرقى المدارس الأربعة .
2- المدرسة الحنيفية . 3- السليمانية الشافعية . 4- دار التوحيد .
ويذكر السباعي عن التعليم في العهد العثماني الأول في الحجاز " إنه كان تعليما محدودا للغاية ولعله بذلك يتناسب مع العصر الذي نتحدث عنه فقد أنشأ العثمانيون المدارس الأربعة آنفة الذكر ليدرس علماء مكة فيها مذاهب الفقه " . (3)
ولم تكن نجد والأحساء بأحسن حالاً فقد تحدث الأستاذ عبد الوهاب عبد الواسع في معرض حديثة عن التعليم في منطقة الأحساء ونجد في العهد العثماني الأول قائلاً " أما الجزء الشرقي من المملكة وأعني به إقليم الأحساء فلم يكن أحسن حظاً ، فإذا انتقلنا إلى قلب الجزيرة " نجد " وجدنا أنها لم تنعم بأي نوع من أنواع التعليم أو الاستقرار في الحكم نتيجة للصراع
ــــــــــــ
1 ـ نشرة التوثيق التربوي العدد 40 ص15 .
2 ـ عبد الرحمن صالح عبد الله : تاريخ التعليم في مكة المكرمة ص78.
3 ـ أحمد السباعي : تاريخ مكة ج2 ص111.
القبلي السائد فيها فعاشت في جهالة فادحة إلى أن قيض الله لها المصلح المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب (1) .
أما في العهد العثماني الثاني فيحدثنا السباعي عن التعليم في الحجاز ويخص منه بالذكر مكة المكرمة فيقول " ويبقى التعليم في مكة في هذا العهد على وتيرته التي ورثها من القرون السابقة يتلخص في طلب العلم في حلقات الدرس التي ينظمها العلماء في المسجد الحرام ، أو في المدارس التي ينشئها المحسنون لإيواء الطلبة أو تدريسهم ، وفي بعض دور العلماء الذين كانوا يمنحون طلبتهم دروساً خاصة " . (2)
ويحدث صاحب كتاب ماضي الحجاز وحاضره قائلا : " إن المعارف في الحجاز في أيام الأتراك ليست براقية ، ولم تر لها أثراً سوى مدارس ابتدائية حكومية لا يستفيد منها العربي غير اللغة التركية وشيء من المبادئ المدرسية . (3)
ومجمل القول ظل التعليم في الحجاز طوال القرن الثالث عشر الهجري محصوراً في الكتاتيب التي تعلم القرآن الكريم ، وبعض المدارس الابتدائية والحرمين الشريفين وفيها يدرس الطلبة العلوم الدينية واللغة التركية ، وهكذا نرى أن سياسة العزلة التي مني بها الحجاز كانت من أهم العوامل التي أدت إلى تأخر نهضته . ويرى أحد الباحثين أن تلك السياسة التركية كانت ترمي إلى إضعاف الروح القومية وتخذيل التعاون الثقافي بين الشرقيين قصداً من الأتراك على إبقاء الجهلاء على جهالتهم والقاصرين على قصورهم . (4)
ولقد كان الحجازيون مطرين إلى هذا الاتجاه ـ كما يذكر أحمد السباعي ـ ليسايروا الحياة ويحصلوا على عيشهم في ظل هذا الحكم ، ذلك لأن الوظائف الحكومية كانت وقفاً على من يجيدون التركية دون سواها . (5)
وفي أواخر العهد العثماني الثاني أنشأ بعض المحسنين عدداً من المدارس الأهلية تمثلت في التالي :
1- المدرسة الصولتية وأسسها في مكة المكرمة عام 1290ه الشيخ محمد رحمة الله العثماني
1- المدرسة الفخرية وأسسها في مكة المكرمة عام 1296هـ الشيخ عبد الحق قاري .
2- مدرسة برهان الاتحاد وأسسها في مكة المكرمة عام 1327هـ الدستوريون الأتراك .
ــــــــــــ
1 ـ عبد الوهاب عبد الواسع : التعليم في المملكة العربية السعودية ص30 .
2 ـ أحمد السباعي : تاريخ مكة ج2 ص206 .
3 ـ حسين نصيف : ماضي الحجاز وحاضره ج1 ص111 .
4 ـ أحمد جمال : ماذا في الحجاز ص13 .
5 ـ لأحمد أبو بكر إبراهيم : الأدب الحجازي في النهضة الحديثة ص51