التفاوض مع سوريا‏..‏ طوق النجاة لإنقاذ أولمرت من الغرق‏!‏

إعلان كل من إسرائيل وسوريا المفاجئ يوم الأربعاء الماضي أنهما تجريان محادثات سلام غير مباشرة بوساطة تركية‏..‏ أحدث ما يشبه الزلزال داخل إسرائيل‏..‏ جميع المعلقين في تل أبيب أجمعوا علي أن أي اتفاق مع دمشق يجب أن تكون له شروط مسبقة‏,‏ أهمها وقف إمدادات السلاح لحزب الله عن طريق سوريا‏,‏ ووقف العلاقات الاستراتيجية بين سوريا وإيران‏,‏ وقبل كل ذلك إغلاق مقار المنظمات الفلسطينية في سوريا‏,‏ وتجميد نشاطها‏.‏ والانسحاب المحتمل من الجولان كثمن للسلام بين دمشق وتل أبيب‏,‏ حظي بردود فعل متباينة داخل إسرائيل بعض المحللين هناك يرون أن هذه فرصة نادرة للتوصل إلي تسوية تغير وجه المنطقة‏,‏ وأن التفاوض مع سوريا ـ في هذه الفترة ـ أمر ضروري لعزل سوريا عن إيران وحزب الله والتنظيمات الأخري التي تحصل علي رعايتها‏.‏

السياسي المعروف دان مريدور يقول‏:‏ إن الأسد الابن مثل أبيه‏..‏ ليس سهلا في المفاوضات‏,‏ ولكن‏35‏ سنة من الاتفاقيات علي الجبهة السورية تؤكد أنهم ـ أي السوريين ـ ملتزمون بما تعهدوا به‏..‏ شعبة المخابرات في الجيش الإسرائيلي قدرت في جلسة حكومية خاصة في شهر مارس الماضي أن عزل سوريا عن محور الشر مسألة قابلة للتحقيق‏,‏ خاصة إذا ترافقت مع الدعم الأمريكي‏.‏ إيهود باراك وقادة الجيش الإسرائيلي يعتقدون بوجوب التفاوض مع سوريا لعدة أسباب أهمها ترسيخ الحدود الدولية الإسرائيلية في نظر العالم‏,‏ كنوع من خط النهاية الرسمي لعدم الاعتراف بوجود إسرائيل كدولة‏..‏ والتسوية مع سوريا كما تري إسرائيل ستغير صورة الوضع في المنطقة‏,‏ وتعزل إيران وتعزز الأنظمة الإسلامية المعتدلة‏.‏

وإن السلام مع سوريا ثمن غير بسيط‏,‏ إلا أنه يساوي السلام واسمه هضبة الجولان‏..‏ الجانب المناهض للانسحاب من الجولان في إسرائيل يري أن هذا يأتي بهدف تحويل الأنظار عن التحقيق مع أولمرت في قضايا الفساد‏,‏ وقد ربط‏64%‏ من الإسرائيليين بين إعلان استئناف المفاوضات مع سوريا والقضايا التي يشتبه تورط أولمرت فيها‏.‏

وإعلان رئيس الوزراء الاسرائيلي عن استعداده الاستقالة من منصبه في حالة تقديم لائحة اتهام ضده‏,‏ تبين عمق الأزمة التي يمر بها عقب اتهامه بالفساد والتحقيق معه من جانب الشرطة رغم انه عبر عن ثقته ببراءته‏.‏ ويأتي هذا الاعلان من جانب أولمرت رغم أن القانون هناك لايلزم رئيس الحكومة بالاستقالة حتي لو قدمت ضده لائحة اتهام‏,‏ وعندما يتم رفع حظر النشر في قضية اولمرت هذه سيتبين للجميع لماذا تعجلت الشرطة التحقيق معه خاصة في وقت تحتفل فيه إسرائيل بمرور‏60‏ عاما علي قيامها‏,‏ أي أن الوقت كان غير ملائم لذلك التحقيق‏,‏ وهذه ليست المرة الاولي التي يلاحق أولمرت الاتهامات بالفساد‏,‏ ففي يناير‏2004‏ باع منزله الخاص في القدس لشركة يمتلكها الملياردير اليهودي دانيال ابراهام مقابل‏2.7‏ مليون دولار ورغم ذلك استمر اولمرت في الاقامة بالمنزل مقابل إيجار شهري‏2250‏ دولارا أي أقل‏40%‏ مما هو متعارف عليه‏,‏ مراقب عام الدولة في إسرائيل بعد دراسة هذا الموضوع انتهي الي أن صفقة البيع والاستئجار قانونية‏.‏ الصحفي يوئيف يتسحاق نشر أن اولمرت لديه هواية جمع الاقلام واعتاد تلقي مئات الاقلام التي تقدر قيمتها بآلاف الدولارات كهدايا من رجال أعمال يحتمل انهم كانوا أصحاب مصالح لديه وجزء من الهدايا حصل عليها عندما كان وزيرا للصناعة والتجارة والجزء الآخر حينما أصبح قائما بأعمال رئيس الوزراء وردا علي ذلك قال أولمرت ان الشرطة قد حققت في هذا الأمر وتأكدت أن هذه الاقلام لم تكن رشوة وفي النهاية قررت اغلاق الملف‏,‏ وفي اكتوبر‏2004‏ اشتري أولمرت شقة في الدور الاول في مبني تحيط بها حديقة بمساحة إجمالية‏120‏ مترا مربعا من شركة يمتلكها المقاول جيل ماستي أولمرت اشتري الشقة بـ‏1.1‏ مليون دولار بتخفيض يقدر بعدة آلاف من الدولارات مقابل مساعدة مقربي أولمرت للمقاول في الحصول علي بعض التراخيص من البلدية والتخفيض الذي حصل عليه أولمرت يقدر بـ‏320‏ ألف دولار‏,‏ في عام‏2006‏ وبالتحديد في بداية شهر سبتمبر أرسل مراقب عام الدولة الي المستشار القانوني للحكومة تقريرا حول قضية التعيينات السياسية المتورط فيها أولمرت وتتعلق بتعيين المحامية ليليخ نحميا في منصب مهم بهيئة المشروعات الصغيرة رغم عدم أحقيتها لشغل هذا المنصب فهي غير مؤهلة وجاء اختيارها لكونها زوجة وزير المالية وحليف أولمرت السياسي ابراهام هيرشزون والذي يتم التحقيق معه هو الآخر هذه الايام بتهمة الاستيلاء علي أموال عامة‏,‏ وفي منتصف شهر اكتوبر عام‏2007‏ قامت الشرطة الاسرائيلية بالتحقيق مع اولمرت واستجوابه في منزله بالقدس بتهمة محاولة ممارسة نفوذه حين كان يتولي منصب وزير المالية لإرساء عطاء بنك ليؤمي ـ ثاني أكبر بنك تجاري في اسرائيل ـ في أثناء خصخصته علي اثنين من الأثرياء اليهود من أصدقائه‏,‏ وحتي الآن يعتبر رئيس الوزراء الاسرائيلي بريئا ولديه كامل الصلاحيات‏,‏ ومن اللحظة التي غادر فيها المحققون منزله أصبح من حقه أن يبت في أي قضية مطروحه عليه وأن يتخذ أي قرارات يراها‏,‏ ووفقا للاستطلاعات وقبل نشر تفاصيل قضية أولمرت الاخيرة يظهر أن بامكان نتانياهو أن يشكل ائتلافا مع افيجدور ليبرمان رئيس حزب اسرائيل بيتنا وشخصيات حزبية أخري من افي ايتام وأركادي جاير ماك لكن هناك خيارا آخر وهو قيام الرئيس الاسرائيلي شمعون بيريز بتكليف القائمة بأعمال رئيس الوزراء وزيرة الخارجية تسيبي ليفني بأن تشكل حكومة جديدة هي أي ليفني اكتسبت صفة السياسية النظيفة التي تتحلي بالمسئولية واذا كان قادة الليكود يطالبون أولمرت بالاستقالة بسبب تورطه في قضايا فساد فإن زعيمهم بنيامين نتانياهو متورط هو الآخر في قضايا فساد فمنذ حوالي شهر تبين أن مليونيرا بريطانيا قد مول إقامة نتانياهو الفاخرة في لندن خلال حرب لبنان الثانية والاتهامات الموجهة لاولمرت الآن كانت ومازالت موجهة لنتانياهو عندما كان رئيسا للوزراء‏,‏ والتحقيق مع أولمرت أحدث ردود فعل واسعة من جانب المعلقين في اسرائيل‏.‏ ناحوم بارنيع كتب في صحيفة ـ يديعوت احرونوت ـ يقول‏:‏ ان التحقيق مع أولمرت له مغزي سياسي أكثر منه جنائي فما حدث كفيل بأن يهز مكانة الحكومة‏,‏ فاذا تبين أن الشبهات حول اولمرت حقيقية فعليه العودة الي منزله وربما ليس فقط الي المنزل‏.‏ ان التحقيق يجب أن يستمر لايوجد حل آخر المحققون ليسوا مذنبين في اختيار هذا التوقيت في الاحتفال بالذكري الستين‏,‏ التحقيقات لم تحرم اولمرت من القدرة علي أداء المهام لكنها نزعت عنه الهالة الاخلاقية‏.‏ أما عوزي بتزيمان فقد كتب في صحيفة هاآرتس يقول‏:‏ في مايو عام‏2000‏ صرح رئيس الدولة عيزرا وايزمان بأنه سيستقيل من منصبه آخر السنة علي خلفية التحقيق الذي أجرته الشرطة معه والذي أظهر انه تلقي أموالا من رجل الاعمال إدوارد سروس بهذه الطريقة المخجلة انتهت مسيرة هذا الرجل السياسية‏..‏ وبعد ذلك بثماني سنوات بالضبط يجري تحقيق ضد رئيس الوزراء إيهود أولمرت ذلك السياسي المحنك المتخصص في القانون لايتواني عن مخالفة هذا القانون ويبدو أن حياته السياسية ستنتهي بصورة مخزية وموجعة‏.‏