لا أذكر أنني سمعت يومها صوتا حولي .. فالكل كان صامتا يترقب .. حتى الأم نفسها كانت قد غشيتها نوبة من الغيبوبة .. وأخيرا .. وصلتُ!!
كم كنت يومها صغيرا .. صغيرا جدا .. وعيناي السوداوان ميتتا التعبير إلا من الفضول قد اتسقتا في ذلك الوجه الرخو الذي لم يعاين شيئا من الدنيا بعد حتى تترك به أثرا أو علامة ..
تلقفني الطبيب.. وما كانت عادة الأطباء أن يتعهدوا الولّادة إلا في الأسر التي لأهلها ثقافة وشيئ من سعة ذات اليد .. تلقفني دون وعي قارب الإهمال .. فالمسألة أكبر من هذه الحياة الصغيرة .. فلربما ذهبت من أجلها تلك الروح الكبيرة الأم التي طوت تحت جناحها ثلاثة من الولد لم يراهق أكبرهم الحُلُم بعد ..
وكان الزوج يتفصد جبينه بالعرق .. وهو يفرك يديه إحديهما بالأخرى في قلق وحيرة .. كان يسير في صالة العيادة يقطعها على طولها .. ثم لا يلبث أن يعود أدراجه .. مخلفا وراءه سحابات من الدخان ينفثها من لفافته .. وما أوهاها من ركن يأوي إليه الباكي والصب والحيران ..
وعلى ذلك فأنا لا أقوى على أن أعين ذلك اليوم الذي عاينت فيه الدنيا لأول مرة .. أو أضعه حيث وضعه الله من السنة .. كل ما أعرفه أنه يوم من أيام كانون الأول (ديسمبر) الباردة .. وكان الجميع يتوقع أن تضع أمي جارية .. فهي لا تأتي في الشتاء إلا بالإناث ..
فكبري أختيّ الاثنتين جاءت إلى الحياة في كانون الأول ..
والأخرى جاءت إليها في كانون الثاني (يناير) ..
أما أخي الذي استهلّ دنياه بعينين رماديتين كلون دخان القاطرة التي جرت القطار الذي استقله والداي معه بعد ميلاده مباشرة .. أما أخي فقد استهل دنياه في آب (أغسطس) الحار الذي صنع من وجهه الأحمر المستدير ثمرة من ثمار البندورة (الطماطم) ..
يبدو أنني شردت بعيدا ..
يتبع إن شاء الله
كم كنت يومها صغيرا .. صغيرا جدا .. وعيناي السوداوان ميتتا التعبير إلا من الفضول قد اتسقتا في ذلك الوجه الرخو الذي لم يعاين شيئا من الدنيا بعد حتى تترك به أثرا أو علامة ..
تلقفني الطبيب.. وما كانت عادة الأطباء أن يتعهدوا الولّادة إلا في الأسر التي لأهلها ثقافة وشيئ من سعة ذات اليد .. تلقفني دون وعي قارب الإهمال .. فالمسألة أكبر من هذه الحياة الصغيرة .. فلربما ذهبت من أجلها تلك الروح الكبيرة الأم التي طوت تحت جناحها ثلاثة من الولد لم يراهق أكبرهم الحُلُم بعد ..
وكان الزوج يتفصد جبينه بالعرق .. وهو يفرك يديه إحديهما بالأخرى في قلق وحيرة .. كان يسير في صالة العيادة يقطعها على طولها .. ثم لا يلبث أن يعود أدراجه .. مخلفا وراءه سحابات من الدخان ينفثها من لفافته .. وما أوهاها من ركن يأوي إليه الباكي والصب والحيران ..
وعلى ذلك فأنا لا أقوى على أن أعين ذلك اليوم الذي عاينت فيه الدنيا لأول مرة .. أو أضعه حيث وضعه الله من السنة .. كل ما أعرفه أنه يوم من أيام كانون الأول (ديسمبر) الباردة .. وكان الجميع يتوقع أن تضع أمي جارية .. فهي لا تأتي في الشتاء إلا بالإناث ..
فكبري أختيّ الاثنتين جاءت إلى الحياة في كانون الأول ..
والأخرى جاءت إليها في كانون الثاني (يناير) ..
أما أخي الذي استهلّ دنياه بعينين رماديتين كلون دخان القاطرة التي جرت القطار الذي استقله والداي معه بعد ميلاده مباشرة .. أما أخي فقد استهل دنياه في آب (أغسطس) الحار الذي صنع من وجهه الأحمر المستدير ثمرة من ثمار البندورة (الطماطم) ..
يبدو أنني شردت بعيدا ..
يتبع إن شاء الله