التوبة: في اللغة توب بمعنى الرجوع والعودة. حينما خلق الله تعالى آدم بدأ الكون بمعصيتين تبيّنان لنا أركان الأمور التي تستوجب التوبة. فالتوبة لا تكون فقط من فعل المحظور لأنه قبل هذا يجب التوبة من ترك المأمور الذي يأمر به الله تعالى. وأول معصية حصلت بعد الخلق هي معصية آدم إذ أبى واستكبر أن يسجد لآدم كما أمره ربه (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34)) وكان يستوجب عليه التوبة من معصية الله لكنه طُرد من رحمة الله تعالى وكتب عليه هذا الطرد بقدر الله سبحانه. فالتوبة يجب أن تُؤخذ بين دفتين إحداهما ترك المأمور (كما فعل إبليس بمعصيته) وفعل المحظور (كما فعل آدم عندما أكل من الشجرة). وقد قال تعالى لآدم (وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35)) فلو أن الله تعالى أمر آدم بالأكل من شجرة واحدة في الجنة فقط ونهاه عن أن يأكل من باقي شجر الجنة لكنّا قلنا على الأقل أن المعصية قد تكون مبررة لكنه تعالى سمح لآدم وزوجه أن يأكلوا من كل شجر الجنة إلا شجرة واحدة وهذا يدلّ على أن الإنسان بطبيعته مقصّر وأنه جُبل على هذا بدليل قوله تعالى (قتل الإنسان ما أكفره). فالنهي عن الأكل كان من شجرة واحدة فقط ومع ذلك أزلهما الشيطان فوقعا في المعصية. لكن هنا نسأل هل ترك الله تعالى آدم لمعصيته؟ وهل تاب آدم من تلقاء نفسه؟ نقول كلا للسؤالين وهذا يدل على فضل الله تعالى علينا. لمّا عصى آدم ربّه ألهمه الله تعالى إلى التوبة بدليل قوله (فتلقّى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم) فلولا أن آدم أخذ الكلمات التي تاب بها بالوحي أو التوجيه من الله تعالى لما تاب، فالذي شرّع التوبة وبدأها وعلّمنا إياها عن طريق آدم u هو الله تعالى فعلى الذي يقع في معصية أن يُسرع في التوبة إلى الله والعودة إلى طريق الله الحقّ.
وهنا يأتي سؤال يسأله الناس : لماذا أُخرج آدم من الجنة؟ فنقول لو قرأنا قوله تعالى (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة) قال في الأرض ولم يقل في الجنة. وقبل أن نتوسّع في هذه النقطة أحب أن أقول أنه لو استعرضنا القرآن كله بكل آياته التي تبلغ 6236 آية لوجدنا أن القرآن الكريم نزل منجّماً على الرسول r بكلمة إقرأ وهذه الكلمة نجدها في الجزء الثلاثين من القرآن وأول إخبار عن آدم جاء في سورة البقرة التي هي من السور المتأخرة في التنزيل. وهنا علينا أن نفرّق بين الكتاب والقرآن. فترتيب نزول القرآن يختلف عن ترتيب الكتاب لأن الله تعالى أنزل الكتاب مجمّعاً إلى السماء الدنيا في ليلة واحدة (إنا أنزلناه في ليلة القدر) بنفس الترتيب الذي بين أيدينا اليوم ثم بدأ ينزل منجّماً على الرسول r قرآناً وكلمة قرآن من قراءة لأنه أُنزل منجّماً على الرسول r وحُفظ في الصدور والله تعالى تعهد بجمعه وبيانه (لا تحرك لسانك لتعجل به* إنا علينا جمعه وقرآنه) فالقرآن مجموع في الكتاب بأمر الله تعالى وفي الكتاب بجد أن سورة الفاتحة هي أول ما بدأ به الكتاب ولهذه السورة وقع بديع في أول الكتاب (ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم) وكأن الله تعالى أمر أن تكون الفاتحة على رأس الكتاب بل تعدله بدليل الآية التي ذكرنا. وسميّت السبع المثاني لأنها سبع آيات تبدأ بالبسملة وتنتهي بـ (ولا الضآلين) أما آمين فهي ليست من الفاتحة، والمثاني لأنها تُثنّى في كل صلاة ونأخذ أقصر صلاة الفجر التي هي ركعتان نقرأ فيها الفاتحة مرتين مرة في كل ركعة فهي تُثنّى. والفاتحة تجمع أهداف القرآن كله فهي تجمع التوحيد والإيمان بالبعث وتعظيم الله تعالى والثناء عليه. وكل لكمة في الفاتحة لها حكمة في الوقع وفي ترتيب السورة تحتاج إلى حلقات لنشرحها. ولعل الحديث القدسي عن الفاتحة من أجمل الأحاديث (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فاذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين قال الله عز وجل: حمدني عبدي، واذا قال: الرحمن الرحيم قال الله عز وجل: أثنى علي عبدي، واذا قال : مالك يوم الدين، قال عز وجل: مجدني عبدي، وقال مرة فوض الي عبدي، فاذا قال: اياك نعبد واياك نستعين، قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال:اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضآلين، قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل.) والسورة الثانية في الكتاب هي سورة البقرة وأول إخبار عن آدم جاء في هذه السورة في قوله تعالى (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة) وقلنا أن آدم مخلوق للأرض فلا نسأل لماذا خرج من الجنة. والجنّة لغة هي البستان الذي فيه ظلال كثيرة من لأشجار هذا هو معناها في الأساس ثم اسُتعير المعنى لجنّة الخلد في السماء. بدليل أن القرآن استعملها كجنة في الدنيا في قوله تعالى (إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذا أقسموا ليصرمنها مصبحين) . فآدم u كان على الأرض لكنه خرج من الجنة حيث كان له فيها الماء والطعام متوفراً له ومضموناً إلى الأرض ليسعى هو في الرزق. فنحن مأمورون بالتوبة وآدم u لمّا عصى ربه لم يكن من نفسه فعلينا عندما نعصي نحن أن نعلم أنه لولا هداية الله تعالى أن الله يلهم الإنسان التوبة لما تاب أي من العاصين فعلينا أن لا نغترّ حتى لو ظننا أننا في أوج الإيمان، ونقول : الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. الإنسان يمشي في طريقه إلى الله تعالى من الدنيا إلى الآخرة وإذا صادفته المعصية خرج عن الطريق ويحتاج إلى العودة إلى الله تعالى بالتوبة وإذا نظرنا في المعاصي نجد أن الإستغفار يمهّد للتوبة منها.
الإستغفار لا تعني طلب التوبة. في اللغة غفر تعني ستر وعندما نقول أستغفر الله العظيم ولو فتّشنا في القرآن وفي سنة الرسول r لوجدنا أن الإستغفار لا يأتي بعد المعاصي ولكنه يأتي بعد الطاعات أما التوبة فهي التي تأتي بعد المعصية. بدليل أن الرسول r كان أول ما يقول بعد التسليم في الصلاة: أستغفر الله، وهذا الإستغفار هو استجلاب رصيد مفغرة بمعنى يا رب اغفر لي أي استرني إذا عصيتك ولا تفضحني. فبفضل الله تعالى كم من عاصٍ عصى الله فلم يفضحه. وكان الرسول r يستغفر كثيراً بعد الطاعات يتوب كثيراً بعد المعاصي وهذا ليعلّمنا نحن، ومعلوم أن الرسول r معصوم عن المعاصي ولكن كان يتوب بعدما يعاتبه ربه كما جاء في عتابه تعالى له في حادثة عبد الله بن أم مكتوم (عبس وتولى أن جاءه الأعمى) بكى الرسول r عندما عاتبه ربه وهذا ليس لذنب عمله فالعتاب من الله تعالى لرسوله هو عتاب المحبّ لحبيبه وليس عتاب نب وإنما عاتبه ليصحح الوضع (وما يدريك لعلّه يزّكى) فكأنه تعالى يقول لرسول r هوّن عليك يا رسول الله ولا تُتعب نفسك بالكفار الذين كان يدعوهم إلى الإسلام عندما جاءه عبد الله بن أن مكتوم. وقد جاء في الأحاديث أن الرسول r كان يستغفر ربه في اليوم أكثر من سبعين مرة وفي رواية مئة مرة وهذا كله ليكون لنا أسوة نقتدي به r. فإذا كان الرسول وهو الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يستغفر بهذا الشكل فكيف بنا نحن؟ علينا أن نستغفر أكثر بكثير من الرسول r. والمسألة ليست مسألة قول فقط وهناك فرق بين الإستغفار والتوبة. يأتي الإستغفار أولاً ثم التوبة.
الإنسان في رحلة حياته في الدنيا كأنه في طريقه إلى الله تعالى يوم القيامة وهذا الطريق محفوف بالمعاصي والسيئات ولا أحد منا لايخطئ ولا يجب الغرور بعدم المعاصي لأن هذا من معاصي القلب والغرور من آفات القلب. والمعاصي لا تكون بالجوارح فقط وإنما تكون أيضاً في القلب فمعاصي القلب ثيرة منها الغِلّ والحقد والحسد والكِبر والغرور. والتوبة لا تكون باللسان ولكنها بالقلب والفعل والندم كما جلء في الحديث (الندم توبة). وقد علّمنا الله تعالى أنه إذا صادفتنا معصية خرجنا عن الطريق الحقّ ونحتاج إلى توبة حتى نعود إليه.
يجب على الإنسان أن يستغفر الله كثيراً مع الطاعات بدليل قوله تعالى (إذا جاء نصر الله والفتح* ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا* فسبّح بحمد ربك واستغفره* إنه كان توابا) والرسول r علّمنا أن الإستغفار بعد الطاعات يكون جالباً لمغفرة الله تعالى لنا والستر علينا حتى نتوب.وفي عام 1986م أرسل لي أحد إخواننا الأفاضل في ألمانيا أن هناك من يقول لهم أن الإستغفار لا يمحو الذنوب لأن غفر في المعجم تعني ستر فقط وليس محى. فقلنا لهم اقرأوا قول الله تعالى في سورة الفرقان (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) يستعرض تعالى ثلاثة ذنوب كبيرة هي الشرك بالله والقتل والزنى. وعلينا قبل كل شيء أن نعلم أن التوبة ليست كلمة تُقال وإنما هي عملية متكاملة. قال تعالى (أولئك يبدّل الله سيئاتهم حسنات) السيئة التي تاب عنها العاصي ساعة ما استغفر الله تعالى بعدها سترها الله تعالى وأبقاها سيئة حتى تتحول إلى حسنة. فإذا كان تعالى قد محاها بمجرد الإستغفار فما جدوى التوبة إذن؟ فالله تعالى ستر على معصية المستغفر ثم يتوب عليه ثم يبدّل سيئاته حسنات ولهذا كان عمر بن الخطاب يقول لأبي بكر أنا أكثر منك حسنات فيقول كيف؟ يقول عمر لأن سيئاتي كانت أكثر من سيئاتك فغفرها الله تعالى لي وبدّلها حسنات. وهنا أنوه لإخواننا الدعاة والعلماء أن عليهم أن يفهموا الألفاظ بطريقة صحيحة وأن يقولوا الآيات كاملة فلا يقل أحدهم مثلاً (إن الله لا يغفر أن يشرك به) ويقف بل عليه أن يكمل الآية كلها (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) فحتى الشرك بالله والمشرك والكافر يغفر الله لهم مهما كانت درجة كفرهم بكجرد توبتهم وهذه الآية هي دعوة للمشرك بالعودة إلى الله تعالى وليست ضد المشركين. وكذلك أن يقف أحدهم عند قوله تعالى (لا تقربوا الصلاة) بدون أن يقولها كاملة (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) والحكمة في هذه الآية كانت لإمتحان قلوب المسلمين ليس فقط بترك الخمر عند الصلاة وإنما بترك الخمر كلياً وعدم القرب منها فس الصلاة أو في غيرها. وهنا أنبّه كل من يقول أنه يشرب الخمر لكنه لا يسكر فأقول له إن هذا أشد خطراً لأن عقله قد فسد أصلاً ولم يعد يتأثر بالخمر وهذا ليس طبيعياً فمن الطبيعي أن يتأثّر العقل بالخمرة. فإذا فسد العقل أصبح في عداد السفهاء.
نقول إذن إن الإستغفار هو استجلاب للمغفرة حتى تُستر الذنوب إلى أن تتم عملية التوبة فتُقبل بفضل الله تعالى ثم تتحول السيئات إلى حسنات بفضل الله تعالى. ويجب علينا أن نتوب مهما كانت الذنوب صغيرة أو كبيرة وعلينا أن نستغفر الله كثيراً فالذي يعوّد نفسه ولسانه على الإستغفار لا يمكن أن يعصي الله تعالى.
ونعود للأية في سورة الفرقان (إلا من تاب وأمن) فهل كفر؟ صدق رسول الله r حين قال "لا يزني الزاني وهو ومؤمن ولا يسرق السارق وهو مؤمن" بمعنى أنه ساعة يقوم بهذه العملية من زنى أو سرقة لم يكن مؤمناً فكأنه خرج من الإيمان لكنه ما زال على ملة الإسلام. لكن هناك فرق بين االإسلام والإيمان وبينهما شعرة بمعنى أن المسلم إن لم يؤمن لن ينفعه إسلامه. إذا دخل أحد الناس الإسلام أول ما نطلب منه النطق بالشهادتين وهكذا يكون قد أسلم لكن يجب علينا أن نخبره ان عليه الصلاة والصيام والحج والزكاة لإغن لم يفعل هذه الأشياء فهو ليس بمؤمن لمنه مسلم فقط لأنه نطق الشهادتين. الإيمان هو نتفيذ أوامر الله في كتابه إفعل والإنتهاء عن لا تفعل والإيمان هو ما وقر في القلب وصدّقه العمل. والإيمان يحتاج لحركة والإسلام أعلى دين على وجه الأرض من عهد آدم إلى أن تقوم الساعة. كيف ذلك؟ إذا أسلم الإنسان كان إسلامه لله عزّ وجلّ ومن ضمنه أن تُعلن إيمانك بالله تعالى بتنفيذ أوامره وتجنب نواهيه مخلصاً له بقلبك. إذا سألنا أيهما أعلى الإسلام أو الإيمان؟ ستكون معظم الإجابات الإيمان وهذا غير صحيح لأن الذي أجاب الإيمان لم يفكّر في السؤال جيداً. هناك إسلامان واحد قبل الإيمان وواحد بعد الإيمان . الإسلام الذي قبل الإيمان هو إسلام العقيدة (الشهادتين) والإيمان هو تطبيق الأوامر والإنتهاء عن النواهي بعده يأتي إسلام الوجه لله بدليل خطاب الله تعالى للمؤمنين في قوله (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمين) فهو تعالى أثبت لهم الإيمان وطالبهم بالتقوى والإسلام فكأن التتيب يكون على النحو التالي: إسلام العقيدة – الإيمان – التقوى – الإحسان – إسلام الوجه لله. فإسلام الرسالة شيء وإسلام الوجه لله شيء آخر فأن تخرج من بيتك أو من عملك أو أي مكان وتقول: بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن حسبنا الله ونعم الوكيل) إذا قالها العبد تنحّى عنه الشيطان وقالت له الملائكة: وُقيت وهُديت وكُفيت، هذا الشخص لا يخطئ أبداً زكفاه فخراً أن الشيطان تنحّى عنه. فإسلام الوجه لله يدفعنا عن المعاصي والإستغفار يدفعنا إلى الطاعات. والصبر ركن ركين في كل الأعمال التي نؤديها وفي كل عبادة وعمل فالصلاة من غير صبر تكون بسرعة وبغير خشوع والصوم بغير صبر لا يكون إلا جوعاً وعطشاً والتعامل مع الناس بغير صبر قد يؤدي إلى سوء الخلق ين الناس والخطأ في حق الناس فالصبر إذن هو نوع من أنواع الإخلاص في العمل والإيمان إذا لم يكن فيه صبر سيسرق السارق بدليل قول الرسول r: "إذا سرق الرجل خرج الإيمان منه" ولهذا جاءت الآية الكريمة (إلا من تاب وآمن) قيمة التعبير القرآني في غاية الدقة.فالعبد المذنب محتاج مع التوبة لتجديد الإيمان.
وقد قلنا أن التوبة نفسها عملية ثم مجموع التوبة عملية . التوبة بحد ذاتها عملية يجب الندم الشديد على ما معله العبد ويجب أن لا يستهين بالذنب وسرّ عدم التوبة عادة الإستهانة بالذنب والبعض يستهين بذنبه فلا يتوب أو يندم على ما فعله من معاصي ثو يقولون بعدها إن الله غفور رحيم وهذا من تضييع الشيطان وإغوائه للعاصي. والرسول r لما سألوه الصحابة عن كثرة استغفاره وهو الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر قال لهم: أفلا أكون عبداً شكورا" فالتوبة كما قلنا بحدّ ذاتها لها عملية ثم عملية متكاملة أمر الله تعالى بها في آية سورة الفرقان.
وهنا يأتي سؤال يسأله الناس : لماذا أُخرج آدم من الجنة؟ فنقول لو قرأنا قوله تعالى (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة) قال في الأرض ولم يقل في الجنة. وقبل أن نتوسّع في هذه النقطة أحب أن أقول أنه لو استعرضنا القرآن كله بكل آياته التي تبلغ 6236 آية لوجدنا أن القرآن الكريم نزل منجّماً على الرسول r بكلمة إقرأ وهذه الكلمة نجدها في الجزء الثلاثين من القرآن وأول إخبار عن آدم جاء في سورة البقرة التي هي من السور المتأخرة في التنزيل. وهنا علينا أن نفرّق بين الكتاب والقرآن. فترتيب نزول القرآن يختلف عن ترتيب الكتاب لأن الله تعالى أنزل الكتاب مجمّعاً إلى السماء الدنيا في ليلة واحدة (إنا أنزلناه في ليلة القدر) بنفس الترتيب الذي بين أيدينا اليوم ثم بدأ ينزل منجّماً على الرسول r قرآناً وكلمة قرآن من قراءة لأنه أُنزل منجّماً على الرسول r وحُفظ في الصدور والله تعالى تعهد بجمعه وبيانه (لا تحرك لسانك لتعجل به* إنا علينا جمعه وقرآنه) فالقرآن مجموع في الكتاب بأمر الله تعالى وفي الكتاب بجد أن سورة الفاتحة هي أول ما بدأ به الكتاب ولهذه السورة وقع بديع في أول الكتاب (ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم) وكأن الله تعالى أمر أن تكون الفاتحة على رأس الكتاب بل تعدله بدليل الآية التي ذكرنا. وسميّت السبع المثاني لأنها سبع آيات تبدأ بالبسملة وتنتهي بـ (ولا الضآلين) أما آمين فهي ليست من الفاتحة، والمثاني لأنها تُثنّى في كل صلاة ونأخذ أقصر صلاة الفجر التي هي ركعتان نقرأ فيها الفاتحة مرتين مرة في كل ركعة فهي تُثنّى. والفاتحة تجمع أهداف القرآن كله فهي تجمع التوحيد والإيمان بالبعث وتعظيم الله تعالى والثناء عليه. وكل لكمة في الفاتحة لها حكمة في الوقع وفي ترتيب السورة تحتاج إلى حلقات لنشرحها. ولعل الحديث القدسي عن الفاتحة من أجمل الأحاديث (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فاذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين قال الله عز وجل: حمدني عبدي، واذا قال: الرحمن الرحيم قال الله عز وجل: أثنى علي عبدي، واذا قال : مالك يوم الدين، قال عز وجل: مجدني عبدي، وقال مرة فوض الي عبدي، فاذا قال: اياك نعبد واياك نستعين، قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال:اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضآلين، قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل.) والسورة الثانية في الكتاب هي سورة البقرة وأول إخبار عن آدم جاء في هذه السورة في قوله تعالى (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة) وقلنا أن آدم مخلوق للأرض فلا نسأل لماذا خرج من الجنة. والجنّة لغة هي البستان الذي فيه ظلال كثيرة من لأشجار هذا هو معناها في الأساس ثم اسُتعير المعنى لجنّة الخلد في السماء. بدليل أن القرآن استعملها كجنة في الدنيا في قوله تعالى (إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذا أقسموا ليصرمنها مصبحين) . فآدم u كان على الأرض لكنه خرج من الجنة حيث كان له فيها الماء والطعام متوفراً له ومضموناً إلى الأرض ليسعى هو في الرزق. فنحن مأمورون بالتوبة وآدم u لمّا عصى ربه لم يكن من نفسه فعلينا عندما نعصي نحن أن نعلم أنه لولا هداية الله تعالى أن الله يلهم الإنسان التوبة لما تاب أي من العاصين فعلينا أن لا نغترّ حتى لو ظننا أننا في أوج الإيمان، ونقول : الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. الإنسان يمشي في طريقه إلى الله تعالى من الدنيا إلى الآخرة وإذا صادفته المعصية خرج عن الطريق ويحتاج إلى العودة إلى الله تعالى بالتوبة وإذا نظرنا في المعاصي نجد أن الإستغفار يمهّد للتوبة منها.
الإستغفار لا تعني طلب التوبة. في اللغة غفر تعني ستر وعندما نقول أستغفر الله العظيم ولو فتّشنا في القرآن وفي سنة الرسول r لوجدنا أن الإستغفار لا يأتي بعد المعاصي ولكنه يأتي بعد الطاعات أما التوبة فهي التي تأتي بعد المعصية. بدليل أن الرسول r كان أول ما يقول بعد التسليم في الصلاة: أستغفر الله، وهذا الإستغفار هو استجلاب رصيد مفغرة بمعنى يا رب اغفر لي أي استرني إذا عصيتك ولا تفضحني. فبفضل الله تعالى كم من عاصٍ عصى الله فلم يفضحه. وكان الرسول r يستغفر كثيراً بعد الطاعات يتوب كثيراً بعد المعاصي وهذا ليعلّمنا نحن، ومعلوم أن الرسول r معصوم عن المعاصي ولكن كان يتوب بعدما يعاتبه ربه كما جاء في عتابه تعالى له في حادثة عبد الله بن أم مكتوم (عبس وتولى أن جاءه الأعمى) بكى الرسول r عندما عاتبه ربه وهذا ليس لذنب عمله فالعتاب من الله تعالى لرسوله هو عتاب المحبّ لحبيبه وليس عتاب نب وإنما عاتبه ليصحح الوضع (وما يدريك لعلّه يزّكى) فكأنه تعالى يقول لرسول r هوّن عليك يا رسول الله ولا تُتعب نفسك بالكفار الذين كان يدعوهم إلى الإسلام عندما جاءه عبد الله بن أن مكتوم. وقد جاء في الأحاديث أن الرسول r كان يستغفر ربه في اليوم أكثر من سبعين مرة وفي رواية مئة مرة وهذا كله ليكون لنا أسوة نقتدي به r. فإذا كان الرسول وهو الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يستغفر بهذا الشكل فكيف بنا نحن؟ علينا أن نستغفر أكثر بكثير من الرسول r. والمسألة ليست مسألة قول فقط وهناك فرق بين الإستغفار والتوبة. يأتي الإستغفار أولاً ثم التوبة.
الإنسان في رحلة حياته في الدنيا كأنه في طريقه إلى الله تعالى يوم القيامة وهذا الطريق محفوف بالمعاصي والسيئات ولا أحد منا لايخطئ ولا يجب الغرور بعدم المعاصي لأن هذا من معاصي القلب والغرور من آفات القلب. والمعاصي لا تكون بالجوارح فقط وإنما تكون أيضاً في القلب فمعاصي القلب ثيرة منها الغِلّ والحقد والحسد والكِبر والغرور. والتوبة لا تكون باللسان ولكنها بالقلب والفعل والندم كما جلء في الحديث (الندم توبة). وقد علّمنا الله تعالى أنه إذا صادفتنا معصية خرجنا عن الطريق الحقّ ونحتاج إلى توبة حتى نعود إليه.
يجب على الإنسان أن يستغفر الله كثيراً مع الطاعات بدليل قوله تعالى (إذا جاء نصر الله والفتح* ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا* فسبّح بحمد ربك واستغفره* إنه كان توابا) والرسول r علّمنا أن الإستغفار بعد الطاعات يكون جالباً لمغفرة الله تعالى لنا والستر علينا حتى نتوب.وفي عام 1986م أرسل لي أحد إخواننا الأفاضل في ألمانيا أن هناك من يقول لهم أن الإستغفار لا يمحو الذنوب لأن غفر في المعجم تعني ستر فقط وليس محى. فقلنا لهم اقرأوا قول الله تعالى في سورة الفرقان (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) يستعرض تعالى ثلاثة ذنوب كبيرة هي الشرك بالله والقتل والزنى. وعلينا قبل كل شيء أن نعلم أن التوبة ليست كلمة تُقال وإنما هي عملية متكاملة. قال تعالى (أولئك يبدّل الله سيئاتهم حسنات) السيئة التي تاب عنها العاصي ساعة ما استغفر الله تعالى بعدها سترها الله تعالى وأبقاها سيئة حتى تتحول إلى حسنة. فإذا كان تعالى قد محاها بمجرد الإستغفار فما جدوى التوبة إذن؟ فالله تعالى ستر على معصية المستغفر ثم يتوب عليه ثم يبدّل سيئاته حسنات ولهذا كان عمر بن الخطاب يقول لأبي بكر أنا أكثر منك حسنات فيقول كيف؟ يقول عمر لأن سيئاتي كانت أكثر من سيئاتك فغفرها الله تعالى لي وبدّلها حسنات. وهنا أنوه لإخواننا الدعاة والعلماء أن عليهم أن يفهموا الألفاظ بطريقة صحيحة وأن يقولوا الآيات كاملة فلا يقل أحدهم مثلاً (إن الله لا يغفر أن يشرك به) ويقف بل عليه أن يكمل الآية كلها (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) فحتى الشرك بالله والمشرك والكافر يغفر الله لهم مهما كانت درجة كفرهم بكجرد توبتهم وهذه الآية هي دعوة للمشرك بالعودة إلى الله تعالى وليست ضد المشركين. وكذلك أن يقف أحدهم عند قوله تعالى (لا تقربوا الصلاة) بدون أن يقولها كاملة (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) والحكمة في هذه الآية كانت لإمتحان قلوب المسلمين ليس فقط بترك الخمر عند الصلاة وإنما بترك الخمر كلياً وعدم القرب منها فس الصلاة أو في غيرها. وهنا أنبّه كل من يقول أنه يشرب الخمر لكنه لا يسكر فأقول له إن هذا أشد خطراً لأن عقله قد فسد أصلاً ولم يعد يتأثر بالخمر وهذا ليس طبيعياً فمن الطبيعي أن يتأثّر العقل بالخمرة. فإذا فسد العقل أصبح في عداد السفهاء.
نقول إذن إن الإستغفار هو استجلاب للمغفرة حتى تُستر الذنوب إلى أن تتم عملية التوبة فتُقبل بفضل الله تعالى ثم تتحول السيئات إلى حسنات بفضل الله تعالى. ويجب علينا أن نتوب مهما كانت الذنوب صغيرة أو كبيرة وعلينا أن نستغفر الله كثيراً فالذي يعوّد نفسه ولسانه على الإستغفار لا يمكن أن يعصي الله تعالى.
ونعود للأية في سورة الفرقان (إلا من تاب وأمن) فهل كفر؟ صدق رسول الله r حين قال "لا يزني الزاني وهو ومؤمن ولا يسرق السارق وهو مؤمن" بمعنى أنه ساعة يقوم بهذه العملية من زنى أو سرقة لم يكن مؤمناً فكأنه خرج من الإيمان لكنه ما زال على ملة الإسلام. لكن هناك فرق بين االإسلام والإيمان وبينهما شعرة بمعنى أن المسلم إن لم يؤمن لن ينفعه إسلامه. إذا دخل أحد الناس الإسلام أول ما نطلب منه النطق بالشهادتين وهكذا يكون قد أسلم لكن يجب علينا أن نخبره ان عليه الصلاة والصيام والحج والزكاة لإغن لم يفعل هذه الأشياء فهو ليس بمؤمن لمنه مسلم فقط لأنه نطق الشهادتين. الإيمان هو نتفيذ أوامر الله في كتابه إفعل والإنتهاء عن لا تفعل والإيمان هو ما وقر في القلب وصدّقه العمل. والإيمان يحتاج لحركة والإسلام أعلى دين على وجه الأرض من عهد آدم إلى أن تقوم الساعة. كيف ذلك؟ إذا أسلم الإنسان كان إسلامه لله عزّ وجلّ ومن ضمنه أن تُعلن إيمانك بالله تعالى بتنفيذ أوامره وتجنب نواهيه مخلصاً له بقلبك. إذا سألنا أيهما أعلى الإسلام أو الإيمان؟ ستكون معظم الإجابات الإيمان وهذا غير صحيح لأن الذي أجاب الإيمان لم يفكّر في السؤال جيداً. هناك إسلامان واحد قبل الإيمان وواحد بعد الإيمان . الإسلام الذي قبل الإيمان هو إسلام العقيدة (الشهادتين) والإيمان هو تطبيق الأوامر والإنتهاء عن النواهي بعده يأتي إسلام الوجه لله بدليل خطاب الله تعالى للمؤمنين في قوله (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمين) فهو تعالى أثبت لهم الإيمان وطالبهم بالتقوى والإسلام فكأن التتيب يكون على النحو التالي: إسلام العقيدة – الإيمان – التقوى – الإحسان – إسلام الوجه لله. فإسلام الرسالة شيء وإسلام الوجه لله شيء آخر فأن تخرج من بيتك أو من عملك أو أي مكان وتقول: بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن حسبنا الله ونعم الوكيل) إذا قالها العبد تنحّى عنه الشيطان وقالت له الملائكة: وُقيت وهُديت وكُفيت، هذا الشخص لا يخطئ أبداً زكفاه فخراً أن الشيطان تنحّى عنه. فإسلام الوجه لله يدفعنا عن المعاصي والإستغفار يدفعنا إلى الطاعات. والصبر ركن ركين في كل الأعمال التي نؤديها وفي كل عبادة وعمل فالصلاة من غير صبر تكون بسرعة وبغير خشوع والصوم بغير صبر لا يكون إلا جوعاً وعطشاً والتعامل مع الناس بغير صبر قد يؤدي إلى سوء الخلق ين الناس والخطأ في حق الناس فالصبر إذن هو نوع من أنواع الإخلاص في العمل والإيمان إذا لم يكن فيه صبر سيسرق السارق بدليل قول الرسول r: "إذا سرق الرجل خرج الإيمان منه" ولهذا جاءت الآية الكريمة (إلا من تاب وآمن) قيمة التعبير القرآني في غاية الدقة.فالعبد المذنب محتاج مع التوبة لتجديد الإيمان.
وقد قلنا أن التوبة نفسها عملية ثم مجموع التوبة عملية . التوبة بحد ذاتها عملية يجب الندم الشديد على ما معله العبد ويجب أن لا يستهين بالذنب وسرّ عدم التوبة عادة الإستهانة بالذنب والبعض يستهين بذنبه فلا يتوب أو يندم على ما فعله من معاصي ثو يقولون بعدها إن الله غفور رحيم وهذا من تضييع الشيطان وإغوائه للعاصي. والرسول r لما سألوه الصحابة عن كثرة استغفاره وهو الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر قال لهم: أفلا أكون عبداً شكورا" فالتوبة كما قلنا بحدّ ذاتها لها عملية ثم عملية متكاملة أمر الله تعالى بها في آية سورة الفرقان.