الرئيسية
شكلت الهند منذ استقلالها واحداً من أهم الدول الداعمة للحقوق العربية، والفلسطينية بالذات، وسعيها لاستعادة ما سلب منها من أراض عربية. وقد كانت
مواقف الحكومات الهندية إزاء القضايا العربية والإسلامية بوجه عام جيدة بل ومتقدمة بالمقارنة مع دول أخرى حاولت الوقوف إلى جانب الحق الفلسطيني والعربي في وجه الجبروت الغربي اللامتناهي للكيان الصهيوني. وقد ارتبطت الهند بحكم ثقلها السياسي والديمغرافي بعلاقات وثيقة مع حركات التحرر العربية أيام جمال عبد الناصر، وأسهمت سياساتها التحررية والمعتدلة في تكوين منظمة دولية غير منحازة إلى أحد من المعسكرين (الاشتراكي أو الرأسمالي) أواسط القرن الماضي وهي ما سميت بمنظمة دول عد الانحياز.
بيد أن ابتعاد الدول العربية عن استثمار هذه العلاقة المميزة مع واحدة من أكبر دول العالم، مساحة وسكاناً، وانهيار المعسكر الاشتراكي بسقوط الاتحاد السوفيتي، وانتهاء الحرب الباردة، ونشوء النظام الأحادي القطب بزعامة الولايات المتحدة ومن والاها، أفضى إلى تغيير جذري في نسق العلاقات الهندية وسياساتها الخارجية في ظل هيمنة الهاجس العسكري مع جارتها اللدودة (باكستان)، وتنامي التنافس الاستراتيجي مع جارتها المتغولة اقتصادياً (الصين).
وبدا للساسة الهنود أن الخيار الوحيد المتبقي للحفاظ على التوازن السياسي والاستراتيجي لدولة من حجم الهند في منطقة جنوب آسيا، يكمن في التحالف مع الولايات المتحدة صاحبة النفوذ الأكبر في العالم، وسحب ورقة الحليف الاستراتيجي من يد جارتها (باكستان) لصالح تغليب المنافع الاقتصادية والعسكرية بين البلدين (الهند والولايات المتحدة). بيد أن الطريق إلى واشنطن وقلبها لا بد أن يمر عبر البوابة الإسرائيلية، المندوب الفعلي للمصالح الأمريكية في المنطقة والقيم عليها، فبدا وكأن الهند قد ضربت بعرض الحائط علاقاتها التاريخية مع العرب لصالح مد جسور الصلة مع الولايات المتحدة عبر "إسرائيل".
تعود نشأة العلاقات الدبلوماسية بين "إسرائيل" والهند إلى عام 1991، بالتزامن مع انطلاق عملية مدريد للسلام والتي خلقت مناخاً ملائماً للهند للمضي أبعد من الاتصالات السرية وغير الرسمية مع "إسرائيل" قبل 1990. وذلك بمباركة أمريكية تسعى لتخويل "إسرائيل" مهمة التفاوض نيابة عنها، في ظل ارتباط الولايات المتحدة مع باكستان بتحالف استراتيجي مهم. ولما كانت الصين في عقد التسعينيات السوق الأكثر أهمية لصادرات الأسلحة الإسرائيلية، أدى تعرقل تصدير "إسرائيل" لصفقة نظام «فالكون» للسيطرة والإنذار المبكر (آواكس) الذي يستخدم تقنيات أميركية، وحاجتها إلى موافقة أميركية، وتردد الولايات المتحدة في ذلك خوفاً من ازدياد التوتر بشأن مضيق تايوان، إلى اقتراح الولايات المتحدة على "إسرائيل" تمرير هذه الصفقة إلى الهند لأنها لا تثير الحساسيات التي أثارتها قضية تايوان. فواشنطن لن تقلق بشأن التوازن العسكري مع باكستان، كونها ليست ملتزمة بالدفاع عن باكستان، كما أن ميزان القوة العسكرية التقليدية في عام 2000 كان يميل أصلاً لصالح الهند.
وقد أصبحت الهند حالياً أكبر سوق للأسلحة الإسرائيلية في العالم. إذ بلغت مبيعاتها عام 2006 ما قيمته مليار ونصف المليار دولار، وهي قيمة المبيعات نفسها في السنوات الثلاث التي سبقتها. وتستحوذ السوق الهندية على أكثر من ثلث إجمالي قيمة مبيعات الأسلحة الإسرائيلية التي بلغت 4.2 مليار دولار عام 2006. وقد شملت المبيعات نماذج مطورة من طائرة «ميغ21»، ودبابات «ت-72» الروسية الصنع، ونظام «باراك» المضاد للصواريخ، ومعدات اتصال وقذائف موجهة بأشعة الليزر، ونظام «فالكون» للإنذار المبكر. وتم تسليم أول خمس طائرات فالكون (آواكس) عام 2007.
ويجري الآن تطوير علاقات شراكة بين الشركات الهندية والإسرائيلية. كما يحاول خبراء الأسلحة الإسرائيليون أيضاً بيع نظام صواريخ «آرو-2» البالستية إلى الهند. مما سيمنح الهند نظام دفاع صاروخي متطور. وسبق أن تم بيع نظام رادار «باين» إلى الهند، وهو واحد من المكونات الأساسية لنظام صواريخ «آرو-2». وفي مطلع عام 2008، تم إطلاق صاروخ هندي من قاعدة «سريهاريكوتا» الفضائية في المحيط الهندي يحمل قمر التجسس الإسرائيلي «بولاريس» الذي يعد الأكثر تطوراً بين أقمارها التجسسية.
ويعدّ هذا القمر الصناعي أول قمر إسرائيلي مزود برادار ذو قدرة فائقة على التقاط الصور في جميع الظروف الجوية. إذ يخترق الغيوم والضباب ليلتقط الصور على سطح الأرض. وقد تم إطلاقه من جنوب الهند ليغطي مواقع في إيران، بما يخدم خطط الجيش الإسرائيلي. وهناك قمران صناعيان آخران سيطلقان عن طريق مؤسسة بحوث الفضاء الهندية خلال السنوات القليلة القادمة. والراجح أن البرنامج النووي الإيراني يمثل الهدف الأساس لهذه الأقمار الصناعية في ظل الاحتقان الذي تعرفه المنطقة.
ويبدو أن المصالح العسكرية والاستراتيجية إذا كانت تحرك الهند لتوسع تعاونها مع واحداً من أهم منتجي ومصدري الأسلحة في العالم "إسرائيل"، فإن رغبة الأخيرة في تكوين حلف غير مقدس مع نظام له مشاكله وأزماته مع جيرانه من دول العالم الإسلامي (باكستان وبنغلاديش وغيرها) يصب في سياق تكوين فكي كماشة على شعوب منطقة واحدة من أكثر بؤر العالم اضطراباً، ما لم تكن أكثرها على الإطلاق.
مواقف الحكومات الهندية إزاء القضايا العربية والإسلامية بوجه عام جيدة بل ومتقدمة بالمقارنة مع دول أخرى حاولت الوقوف إلى جانب الحق الفلسطيني والعربي في وجه الجبروت الغربي اللامتناهي للكيان الصهيوني. وقد ارتبطت الهند بحكم ثقلها السياسي والديمغرافي بعلاقات وثيقة مع حركات التحرر العربية أيام جمال عبد الناصر، وأسهمت سياساتها التحررية والمعتدلة في تكوين منظمة دولية غير منحازة إلى أحد من المعسكرين (الاشتراكي أو الرأسمالي) أواسط القرن الماضي وهي ما سميت بمنظمة دول عد الانحياز.
بيد أن ابتعاد الدول العربية عن استثمار هذه العلاقة المميزة مع واحدة من أكبر دول العالم، مساحة وسكاناً، وانهيار المعسكر الاشتراكي بسقوط الاتحاد السوفيتي، وانتهاء الحرب الباردة، ونشوء النظام الأحادي القطب بزعامة الولايات المتحدة ومن والاها، أفضى إلى تغيير جذري في نسق العلاقات الهندية وسياساتها الخارجية في ظل هيمنة الهاجس العسكري مع جارتها اللدودة (باكستان)، وتنامي التنافس الاستراتيجي مع جارتها المتغولة اقتصادياً (الصين).
وبدا للساسة الهنود أن الخيار الوحيد المتبقي للحفاظ على التوازن السياسي والاستراتيجي لدولة من حجم الهند في منطقة جنوب آسيا، يكمن في التحالف مع الولايات المتحدة صاحبة النفوذ الأكبر في العالم، وسحب ورقة الحليف الاستراتيجي من يد جارتها (باكستان) لصالح تغليب المنافع الاقتصادية والعسكرية بين البلدين (الهند والولايات المتحدة). بيد أن الطريق إلى واشنطن وقلبها لا بد أن يمر عبر البوابة الإسرائيلية، المندوب الفعلي للمصالح الأمريكية في المنطقة والقيم عليها، فبدا وكأن الهند قد ضربت بعرض الحائط علاقاتها التاريخية مع العرب لصالح مد جسور الصلة مع الولايات المتحدة عبر "إسرائيل".
تعود نشأة العلاقات الدبلوماسية بين "إسرائيل" والهند إلى عام 1991، بالتزامن مع انطلاق عملية مدريد للسلام والتي خلقت مناخاً ملائماً للهند للمضي أبعد من الاتصالات السرية وغير الرسمية مع "إسرائيل" قبل 1990. وذلك بمباركة أمريكية تسعى لتخويل "إسرائيل" مهمة التفاوض نيابة عنها، في ظل ارتباط الولايات المتحدة مع باكستان بتحالف استراتيجي مهم. ولما كانت الصين في عقد التسعينيات السوق الأكثر أهمية لصادرات الأسلحة الإسرائيلية، أدى تعرقل تصدير "إسرائيل" لصفقة نظام «فالكون» للسيطرة والإنذار المبكر (آواكس) الذي يستخدم تقنيات أميركية، وحاجتها إلى موافقة أميركية، وتردد الولايات المتحدة في ذلك خوفاً من ازدياد التوتر بشأن مضيق تايوان، إلى اقتراح الولايات المتحدة على "إسرائيل" تمرير هذه الصفقة إلى الهند لأنها لا تثير الحساسيات التي أثارتها قضية تايوان. فواشنطن لن تقلق بشأن التوازن العسكري مع باكستان، كونها ليست ملتزمة بالدفاع عن باكستان، كما أن ميزان القوة العسكرية التقليدية في عام 2000 كان يميل أصلاً لصالح الهند.
وقد أصبحت الهند حالياً أكبر سوق للأسلحة الإسرائيلية في العالم. إذ بلغت مبيعاتها عام 2006 ما قيمته مليار ونصف المليار دولار، وهي قيمة المبيعات نفسها في السنوات الثلاث التي سبقتها. وتستحوذ السوق الهندية على أكثر من ثلث إجمالي قيمة مبيعات الأسلحة الإسرائيلية التي بلغت 4.2 مليار دولار عام 2006. وقد شملت المبيعات نماذج مطورة من طائرة «ميغ21»، ودبابات «ت-72» الروسية الصنع، ونظام «باراك» المضاد للصواريخ، ومعدات اتصال وقذائف موجهة بأشعة الليزر، ونظام «فالكون» للإنذار المبكر. وتم تسليم أول خمس طائرات فالكون (آواكس) عام 2007.
ويجري الآن تطوير علاقات شراكة بين الشركات الهندية والإسرائيلية. كما يحاول خبراء الأسلحة الإسرائيليون أيضاً بيع نظام صواريخ «آرو-2» البالستية إلى الهند. مما سيمنح الهند نظام دفاع صاروخي متطور. وسبق أن تم بيع نظام رادار «باين» إلى الهند، وهو واحد من المكونات الأساسية لنظام صواريخ «آرو-2». وفي مطلع عام 2008، تم إطلاق صاروخ هندي من قاعدة «سريهاريكوتا» الفضائية في المحيط الهندي يحمل قمر التجسس الإسرائيلي «بولاريس» الذي يعد الأكثر تطوراً بين أقمارها التجسسية.
ويعدّ هذا القمر الصناعي أول قمر إسرائيلي مزود برادار ذو قدرة فائقة على التقاط الصور في جميع الظروف الجوية. إذ يخترق الغيوم والضباب ليلتقط الصور على سطح الأرض. وقد تم إطلاقه من جنوب الهند ليغطي مواقع في إيران، بما يخدم خطط الجيش الإسرائيلي. وهناك قمران صناعيان آخران سيطلقان عن طريق مؤسسة بحوث الفضاء الهندية خلال السنوات القليلة القادمة. والراجح أن البرنامج النووي الإيراني يمثل الهدف الأساس لهذه الأقمار الصناعية في ظل الاحتقان الذي تعرفه المنطقة.
ويبدو أن المصالح العسكرية والاستراتيجية إذا كانت تحرك الهند لتوسع تعاونها مع واحداً من أهم منتجي ومصدري الأسلحة في العالم "إسرائيل"، فإن رغبة الأخيرة في تكوين حلف غير مقدس مع نظام له مشاكله وأزماته مع جيرانه من دول العالم الإسلامي (باكستان وبنغلاديش وغيرها) يصب في سياق تكوين فكي كماشة على شعوب منطقة واحدة من أكثر بؤر العالم اضطراباً، ما لم تكن أكثرها على الإطلاق.
