الفرضيّة التي يحاولها الخطاب العربيّ المعاصر تتوقّع منه أن يكون خطاباً نقدياً، أي خطاباً حديثاً؛ فهو خطاب يتدرّب على النقد، إن لم يكن قد تحوّل في مرحلته الأخيرة، إلى خطاب نقديّ يؤسس في المختلف، وللمختلف وللمغاير، كما يتأمّل أصوله، أعني: هويتّه!..
وهو خطاب هادف يوجهه وضع أمّة أمام مستقبلها، وشروط مجتمع، قياساً إلى تاريخ الغرب والأمّة والمجتمع في الغرب الذي هو تاريخ حداثة العالم وتكوين عقله الحديث، وقياساً إلى تاريخ "ذاتي" هو تاريخ "فتح" و"علم" لم يبق منهما إلاّ "ذاكرة" معطّلة!..
وكأنّه يستعيد "فرضيّات" مشروع النهضة الأولى، بأنموذجاتها المختلفة والمتعدّدة، شيوخ إصلاح ودعاة تقنية وعلم وممثلي تنوير وتغيير، اقترحوا أفكاراً وأحلاماً وأشواقاً تعبّر عن رغبةٍ قويّة بالنهضة وبإمكانيّة النهضة، لم تلبث أن تحوّلت فيما بعد إلى حلم بانفجار "ثورة" عربية...
ولم تكن "البذور" الفكريّة العلميّة والعلمانية تابعةً لصدمة حضارية وفّرتها مواجهةٌ مع غرب "استعماريّ" أو "إمبريالي" و"صهيوني" فيما بعد، ويفسّرها "لقاء" مع غربٍ وشرقٍ اشتراكيين، في مرحلة تالية، فقد كان ثمّة "عالمٌ" يتغير دائماً... تتداخل أمكنته، وتتواصل، وتتفاعل، وقوى تنمو في الداخل، وقوى تذبل، وعلاقات إنتاج تتهشّم، ومعاناة بشرٍ تتقدّم بتقدّم الحياة والواقع... بل إن عالماً قديماً يتآكل بسرعة، ويتشكّل من داخله عالمٌ آخر مختلف قليلاً أو كثيراً، وإذا كانت "سياساتٌ" ما قبل قومية، ضعيفة، ومتأخرّة قد أخفقت في إنتاج مجتمعاتها عبر مشروع "نهضة" أو مشروع "ثورة"، وهُزمت بفعل علاقةٍ خاصة بين "الداخل" و"الخارج"؛ فإن للأفكار أن تعيد النظر في ذاتها، وللأحلام أن تسائل يوتوبياها، وللأشواق أن تتخلّى عن وساوسها، بفعل الحياة والواقع...
ولذلك كان الخطاب العربي المعاصر خطاب "إعادة نظر" دائماً!
هل كان هذا الخطاب من إفراز "الرضّة" الحزيرانية كما كان الخطاب الحديث والنهضويّ من إفراز "الصدمة" النابوليونيّة، وكانت العلاقة بينهما علاقة قطع ونكوص، فورث عنه استعداداتٍ مرضيّة، واتسم بازدواجية مستعصية على الحل بين روح المنافحة وروح النقد، كما يفترض جورج طرابيشي؟(1).
ألم يكن ثمة "رضّة" و"صدمة" دائماً؟ ألم تتكاثر، وتتكاثر، "رضّات" و"صدمات" مفاجئة ومتوقّعة في تاريخ العرب الحديث والمعاصر الذي هو تاريخ من صنع الآخر بمعنى ما، أقحموا فيه، وألحقوا، كما أقحموا، وألحقوا، في تاريخ العالم؟
وكان على الخطاب العربي أن يتأمّل ذاته، وأن يتفاعل، أو يتواصل مع خطاب تنوير وحداثة، دون أن ينفذ إلى شبه قوى وشبه طبقات أو إلى بشر واقعيّين، فهو لم تنتجه نخبةٌ حديثةٌ أو شبه نخبة تمتلك مجتمعات حديثة قادرةً على إنتاجها، تحاصره أصولٌ يفترض انتماءه إليها، ويتناقض معها، كما تحاصره "تطوّرات" حداثةٍ في خطاب غربي يمتلك القدرة على تجاوز ذاته وتخطّيها دائماً، أيّ يمتلك احتمالاتٍ دائمة ومفتوحة على النقد بعامّة، وعلى نقد الذات بخاصّة!
ولكن الخطاب العربي المعاصر يتقدّم بمعنى ما، وتقدّمه نسبيّ طبعاً، والتقدّم نسبيّ أيضاً، وممكن أيضاً، كلّما كانت الثقافة نقدية.
وهو، على أية حال، مشروع خطابٍ يشتمل على ما هو أصوليّ وإصلاحيّ، وعلى ما هو سلفيّ وتوفيقيّ، وعلى ما هو شبه حديثٍ ومُستعار، وعلى ما هو حديث ومستورد، وعلى ما هو متصالح وضدّي... يعلن تناقضه مع ذاته ومع الآخر، ويعيد النظر فيهما... يخفق وينجح في بحثه عن ذاته من داخل أصوله، ومن داخل حداثةٍ تهجم عليه. ويفتتح أكثر من أفق للاختلاف والمغايرة بحثاً عن هويته، عبر علاقة قلقةٍ ومرتبكةٍ بين الذات والآخر!
إنه يتدرّب على النقد حقاً! وما زال أكثر من اتجاه فيه يستكشف عوامل فشله أيديولوجيةً وفلسفةً وسياسةً وإبداعاً، كما أن أكثر من اتجاه ينبّه إلى أنّه بديل، أو إلى أنه هو أوّل الطريق، وفي كلّ مرحلة عاصفة أو شبه عاصفة كان ثمة اتجاه يريد أن يكون هو أوّل، أو الأوّل، ويرغب في أن يؤّسس لمشروع فكر عربيّ معاصر وثقافةٍ معاصرةٍ، وكانت اختياراته تتداخل مع اختياراتٍ أخرى بموادها ومراجعها وشعاراتها، تبعاً لعلاقة كلٍّ منها بذاكرة مرجعيةً بعيدة أو قريبة، وتبعاً لأحوال قوى وشبه قوى واقعيّة.
ولعلّه يحاول أن يبني ذاتيّته، وبخاصة عندما يعيد النظر في مراجعه ومصادره ودلالاته الأبستمولوجية والأيديولوجية التي غلّفت وتغلّف شبه مشروع حداثةٍ عربيّةٍ راهن، ويبرز فيه أثرُ أكثر من اتجاهٍ أوربيّ غربيّ أشاعه تفاعل وتثاقف وتجاور وتناقض، كما عكسته ظواهرُ اجتماعيّة وسياسيّة وفكريّة، ارتبطت بصراعات وتحوّلات، كما ارتبطت بتطوّرات العالم وتغيّراته التي أنجزت دون مشاركة العرب حقاً، بل عبر تهميشهم!.
ولكن! ألا يختبر حداثته، ويتأمّل علاقته بها، ويقوّمها من داخل موقف نقديّ، يتحوّل فيه النقد إلى جزءٍ من بنيته، ويتحوّل ببنيته نحو تحرير الإنتاج المعرفي والنقدي والإبداعي من كلّ سلطة خارجية تؤجّل خلخلة مفهومات وتشكيل مفهومات واستراتيجيات هي مضادة بمعنى ما: مؤقتة أو بديلةً!
النقد أوّلاً! هل هو شعاره مضمراً أو معلناً؟
ولذلك فكلّ ما لا يدخل على نحو مباشر أو غير مباشر تحت "نقد الأمة" أو "نقد الذات" يجب أن يدان، كما يقول الياس مرقص(2)، ولكن! لماذا يدان؟ وكيف يدان؟ الناس -كما يرى بحقّ- تريد المعرفة، والفكر، ولا سيّما الثوري، ينتهي حين لا يخضع مقولاته للنقد، وحين لا يفحص مفاهيمه!
الخطاب العربي المعاصر يعبّر عن مشروع ثقافة عربيةٍ معاصرةٍ فكراً ونقداً وفلسفة وإبداعاً. وقد تحرّك، كمثل الخطاب النهضويّ من قبل، ويتحرّك الآن في داخل أفضيةٍ متعدّدة ومختلفة، تهدف إلى استعادة التراث وإحيائه أو بعثه واستلهامه وتمثّله أو تبنيّه على نحو نقدي. وتحرّك، كمثل الخطاب النهضوي مستعيناً بخطاب تنوير، وبخطاب حداثة، غربيّين، حاول تمثّلهما وتعريبهما أو تقليدهما، وربما تبيئتهما في بعض تجاربه.
وقد استعان كلّ اتجاهٍ من اتجاهاته بجزء من التراث الذي هو تراثات. كما استعان كلّ اتجاه بجزء من حداثة الغرب التي هي حداثات أيضاً. وكان استهواء هذا الاتجاه أو ذاك بجزءٍ من التراث، أو بجزء من الحداثة وما بعد الحداثة، فيما بعد، يعكس وضعاً تاريخياً يشرطه تأخّر، تضاعفه تبعيّة؛ قد يستورد "ألفاظاً" حديثة كما يستورد "الأشياء" الحديثة، وقد "يحدث" أدوات دولةٍ هي سلطة فحسب؛ ولكنه لم "يحدث" الأمّة... لم يحدث الواقع والحياة من الداخل ومن الخارج في آن معاً!
فأين مشكلته إذاً؟
يرى بعضهم أن مشكلة المثقّف لم تعد مع الواقع ولا مع الدول والأنظمة، بل هي مع أفكاره بالدرجة الأولى... وهذا يتطلّب مراجعة العقل لنتاجاته ونقده لأنظمته..(3)
وعندما تكون مشكلة المثّقف مع عقله ألا يعني أنها مشكلة مع واقع، ومع ما ينتجه هذا الواقع؟ وهل تنتمي أفكاره إلى واقعٍ هو واقع الواقع والدول والأنظمة، بل السلطة ولأن عقل المثقف ليس هو عقل المثقف فحسب، بل عقل "الواقع" الذي يرغب في أن يكون مستقلاً، ويحاول أن يكون مستقلاً، وألا يكون تابعاً في عالم هو عالم الآخر حتى الآن، فقد كان إنتاج الخطاب العربي المعاصر فلسفة وفكراً ونقداً تتوزّعه ميولٌ مادية وروحيّة وعقلية وتكاملية وشخصانية ووجودية وروحية تبعاً لتصنيف جميل صليبا للاتجاهات الفلسفية العربية(4) كما برزت فيه ميول ماركسية ووضعية وبراجماتية، وتبرز فيه الآن ميول بنيويّة وما بعد بنيويّة وتفكيكيّة وغيرها. واجتهد أكثر من محاولة في التأصيل الفلسفي والنقدي والإبداعي؛ ربّما كان في مقدمتها تجربة د. عبد الرحمن بدوي في التأصيل الفلسفي التي اتجهت نحو البحث عن وجودية عربية إسلامية تحاور "شطحات الصوفية" و"تاريخ الإلحاد في الإسلام" و"شخصيات قلقة في الإسلام" وتدرس "الزمان الوجوديّ" وتناقش "الإنسانية والوجودية في الفكر العربي" وتتساءل عن إمكانية قيام أخلاق وجودية.
وستلي تجربته محاولاتٌ فلسفية ونقدية وإبداعية استهوتها الوجودية في مرحلة أشاعت أفكار هيدغر وكيركيغارد وهوسرل وميرلوبنتي وكامو وغيرهم وسارتر بشكل خاص. وسيبشّر زكي نجيب محمود بالفلسفة الوضعيّة كاستجابةٍ حارة للعلم والعلوم، كان تأثيرها ضعيفاً على الفكر وعلى الواقع، وأخذت صاحبها في أعوامه الأخيرة صحوة، ردّته إلى التراث في كتابه "تجديد الفكر العربي". وستواصل ميولٌ فلسفية ونقدية بنيوية وتفكيكية عملها هادفة إلى تكوين وعي فلسفي ونقدي ضدّيّ، كما في دراسات "مطاع صفدي" الذي ابتدأ حياته الإبداعية والنقدية قومياً وجودياً وكما في أعمال "علي حرب" و "عبد الكبير الخطيبي" و "كمال أبو ديب" وسواهم.
وبالقدر الذي شاعت فيه "فكريّات" قوميّة انحازت إلى تراثها القومي وتأثرت بأعمال فخته ونيتشه وبرغسون وغيرهم، حاولت "فكرّيات" ماركسية مختلفة أن تؤثّر في تكوين نخبة وشبه نخبة، ونقلت أشكالاً من الماركسية الرسمية وشبه الرسمية والشائعة، ودعا بعض ممثّليها إلى "تعريب" الماركسية وتبيئتها.
وظهرت أعمال جادة لحسين مروة ومهدي عامل وصادق جلال العظم وسمير أمين وأنور عبد الملك ولطفي الخولي وطيّب تيزيني ومحمود أمين العالم، وغيرهم. وقد تطورت فرضياتها تبعاً لاستجابتها للواقع وللوقائع. كما قدّمت أعمال إلياس مرقص وعبد الله العروي وياسين الحافظ أمثلة على نقد الأيديولوجية العربية المعاصرة والأيديولوجية القومية والأيديولوجية الماركسية الشائعة.
ولكن خطاب الأصول كان حاضراً دائماً أيضاً، وتبعاً لعلاقته مع الواقع المختلف اختلف خطاب الأصول من محمد عبده إلى رشيد رضا إلى حسن البنا ومصطفى السباعي وسيّد قطب وغيرهم كثير...
وكان قد شاع فيه من قبل، كما يشيع فيه الآن، شكلٌ من أشكال النقد؛ بعضه يغلب عليه اضطهاد الذات، وعلى بعضه امتداحها، وعلى بعضه الآخر تدرّبٌ على النقد. فمنذ مطالع الستينات تأخذ انطباعاتٌ نقديّة على الفكر العربي أو التفكير العربي عجزه عن التفوّق على ظروفه، وأنه لا يستطيع أن يكون حراً، ولا يتصوّر السعادة أو المثالية في هذه الحياة أو في الإنسان، ولا يدرك كمال الإنسان أو كمال الأشياء، وينزع إلى توحيد القوى في قوّة واحدة، وينكر التعدّد، فيراه ضدّ الطبيعة والفضيلة، وكما وحّد الإله وحدّ السلطان.. يترقّب قيام الساعة وفناء العالم كوسيلةٍ لتقويم الأخلاق... إنه فكر اتكاليّ، هارب من نفسه، يرفض أن يكون مسؤولاً عنها! الخ...(6).
ويشطب أدونيس تجربةً فكرية وفلسفة ونقديّة حديثة ومعاصرة، بعد أن يتساءل بدهشة عمّا قدمه النتاج الفلسفي العربي الراهن والنتاج الفكري النقدي الراهن ضمن إشكاليات الفكر العربي وخصوصيتها.
ويجيب بدهشة أيضاً:
تقريباً لا شيء! فبعضه وصفيّ، وبعضه تعريب وتثاقف، وكلّه يتحاشى البنية الدينية والمعنى المسبّق، حيث تكمن أسس الثقافة في المجتمع العربيّ. وكأنّ معياره هو مواجهة البنية الدينية والمعنى المسبّق، فالفكر العربي -فلسفةً أو نقداً- إذا أراد أن يتأسّس أولاً، وأن يكون من ثمّ جديداً، لا بدّ أن يبدأ بتحرير النّص الأوّل من مسبقات النصّ الثاني...(7)، ولم لا يبدأ بتحرير وعي البشر الواقعيّ وبتحرير حياة البشر الواقعية من شروطهما غير العادلة التي تدفع بشكل من الانتماء إلى البنية الدينية في بعض الأحيان، أو في أحيان كثيرة، كما تدفع إلى تقبّل أشكال من الحداثة الساذجة أو الرثّة في أحيان كثيرة، أو في بعض الأحيان...
إن تحرير النصّ الأول، أو التحرّر من النصّ الثاني يتطلّب تحرير الواقع بما هو تحرير للوعي.. واستيعاب ما ينتجه العقل الحديث من عقلانية، كما يفترض تحرير المجتمع. ولا يكفي أن نرى في الماركسية النظرية النقدية للغرب الحديث، والنظرية المعقولة الواضحة النافعة لنا في الدور التاريخي الذي نحياه، كما يرى العروي، إذ حكم على السلفيّة والليبرالية والتكنوقراطية بالسطحية والفشل...(. ولا بد من تأمّل علاقة هذه النظرية المعقولة الواضحة النافعة بحياة عربية غير معقولة وغير واضحة وغير نافعة!
ويؤكّد د. محمد عابد الجابري ارتباط الخطاب الفلسفي العربي المعاصر الصريح بالتيارات اللاعقلانية في الفكر الأوروبي المعاصر، بل بأكثر الجوانب لا عقلانية منه، بالإضافة إلى تجاهله القطاع الفلسفي العقلاني في التراث... بل إنه يحكم على هذا الخطاب، كلّه، بالفشل...(9) وكأنّه يتجاهل علاقة هذا الخطاب بخطاب عصر التنوير وعصر العقل والحداثة الغربي، بل علاقته بالخطاب الماركسي الأوربي بشكل خاص، كما يتجاهل علاقة الخطاب الماركسي العربي بجزء من التراث، هو جزء عقلاني وماديّ بمعنى ما!
هذه أمثلة، وغيرها كثير، تدلّ على أن خطابنا النقدي العربي ما زال يتدرّب على وعي ذاته، أي على نقد ذاته... فهل نحكم عليه بالإخفاق أو العطالة؟
إن بعضه يدعو إلى نقد جذري، وبعضه يدعو إلى نقد مزدوج على حد تعبير عبد الكبير الخطيبي وسواه، وبعضه الآخر يدعو إلى نقد حضاري شامل على حد تعبير د. هشام شرابي. وكلّه يشعر بالحاجة إلى عون النقد والوعي النقدي، بالقدر الذي نحتاج فيه إلى العلوم المختلفة وتطبيقاتها. ولكن شعار النقد الذي يطلقه خطابٌ ينتمي إلى حداثة ما، أو يريد أن ينتمي إلى الحداثة لا يعني أن هذا الخطاب يعبّر حقاً عن "اهتمامات" الجماعة، أو الكتلة الاجتماعيّة التي تطمئن إلى "يقين" يقدّمه تصوّرها التقليدي للعالم، وتتصالح مع "فكرّيات" و"تقاليد" سلفيّة يوفّرها "تديّن"، شعبي أو شبه شعبيّ، تغذّية مللٌ ونحل وطوائف وفرق، وتخرج منها دائماً نخبة إسلامية وشبه نخبة، رسميّة وغير رسميّة وشبه رسميّة، بالحلول التي تصلح بها دنيا الناس، مرجعها مطلقات النصّ الدينيّ الأوّل وشروحه وهوامش شروحه، وهو مرجع لا يتعارض مع تفاعل هادف، مباشر وغير مباشر، مع ما ينتجه الغرب، وتقابل النخبة، وشبه النخبة الأصولية نخبةٌ وشبه نخبة حديثة وشبه حديثة مرجعها نصوص حداثةٍ غربيّة لم تنفذ آثارها إلى وجدانات كتلة اجتماعيّة؛ تنظر إلى الحداثة، وبخاصة فيما يتّصل بإنتاجاتها الماديّة، كمحض فرجة!
وهو خطاب هادف يوجهه وضع أمّة أمام مستقبلها، وشروط مجتمع، قياساً إلى تاريخ الغرب والأمّة والمجتمع في الغرب الذي هو تاريخ حداثة العالم وتكوين عقله الحديث، وقياساً إلى تاريخ "ذاتي" هو تاريخ "فتح" و"علم" لم يبق منهما إلاّ "ذاكرة" معطّلة!..
وكأنّه يستعيد "فرضيّات" مشروع النهضة الأولى، بأنموذجاتها المختلفة والمتعدّدة، شيوخ إصلاح ودعاة تقنية وعلم وممثلي تنوير وتغيير، اقترحوا أفكاراً وأحلاماً وأشواقاً تعبّر عن رغبةٍ قويّة بالنهضة وبإمكانيّة النهضة، لم تلبث أن تحوّلت فيما بعد إلى حلم بانفجار "ثورة" عربية...
ولم تكن "البذور" الفكريّة العلميّة والعلمانية تابعةً لصدمة حضارية وفّرتها مواجهةٌ مع غرب "استعماريّ" أو "إمبريالي" و"صهيوني" فيما بعد، ويفسّرها "لقاء" مع غربٍ وشرقٍ اشتراكيين، في مرحلة تالية، فقد كان ثمّة "عالمٌ" يتغير دائماً... تتداخل أمكنته، وتتواصل، وتتفاعل، وقوى تنمو في الداخل، وقوى تذبل، وعلاقات إنتاج تتهشّم، ومعاناة بشرٍ تتقدّم بتقدّم الحياة والواقع... بل إن عالماً قديماً يتآكل بسرعة، ويتشكّل من داخله عالمٌ آخر مختلف قليلاً أو كثيراً، وإذا كانت "سياساتٌ" ما قبل قومية، ضعيفة، ومتأخرّة قد أخفقت في إنتاج مجتمعاتها عبر مشروع "نهضة" أو مشروع "ثورة"، وهُزمت بفعل علاقةٍ خاصة بين "الداخل" و"الخارج"؛ فإن للأفكار أن تعيد النظر في ذاتها، وللأحلام أن تسائل يوتوبياها، وللأشواق أن تتخلّى عن وساوسها، بفعل الحياة والواقع...
ولذلك كان الخطاب العربي المعاصر خطاب "إعادة نظر" دائماً!
هل كان هذا الخطاب من إفراز "الرضّة" الحزيرانية كما كان الخطاب الحديث والنهضويّ من إفراز "الصدمة" النابوليونيّة، وكانت العلاقة بينهما علاقة قطع ونكوص، فورث عنه استعداداتٍ مرضيّة، واتسم بازدواجية مستعصية على الحل بين روح المنافحة وروح النقد، كما يفترض جورج طرابيشي؟(1).
ألم يكن ثمة "رضّة" و"صدمة" دائماً؟ ألم تتكاثر، وتتكاثر، "رضّات" و"صدمات" مفاجئة ومتوقّعة في تاريخ العرب الحديث والمعاصر الذي هو تاريخ من صنع الآخر بمعنى ما، أقحموا فيه، وألحقوا، كما أقحموا، وألحقوا، في تاريخ العالم؟
وكان على الخطاب العربي أن يتأمّل ذاته، وأن يتفاعل، أو يتواصل مع خطاب تنوير وحداثة، دون أن ينفذ إلى شبه قوى وشبه طبقات أو إلى بشر واقعيّين، فهو لم تنتجه نخبةٌ حديثةٌ أو شبه نخبة تمتلك مجتمعات حديثة قادرةً على إنتاجها، تحاصره أصولٌ يفترض انتماءه إليها، ويتناقض معها، كما تحاصره "تطوّرات" حداثةٍ في خطاب غربي يمتلك القدرة على تجاوز ذاته وتخطّيها دائماً، أيّ يمتلك احتمالاتٍ دائمة ومفتوحة على النقد بعامّة، وعلى نقد الذات بخاصّة!
ولكن الخطاب العربي المعاصر يتقدّم بمعنى ما، وتقدّمه نسبيّ طبعاً، والتقدّم نسبيّ أيضاً، وممكن أيضاً، كلّما كانت الثقافة نقدية.
وهو، على أية حال، مشروع خطابٍ يشتمل على ما هو أصوليّ وإصلاحيّ، وعلى ما هو سلفيّ وتوفيقيّ، وعلى ما هو شبه حديثٍ ومُستعار، وعلى ما هو حديث ومستورد، وعلى ما هو متصالح وضدّي... يعلن تناقضه مع ذاته ومع الآخر، ويعيد النظر فيهما... يخفق وينجح في بحثه عن ذاته من داخل أصوله، ومن داخل حداثةٍ تهجم عليه. ويفتتح أكثر من أفق للاختلاف والمغايرة بحثاً عن هويته، عبر علاقة قلقةٍ ومرتبكةٍ بين الذات والآخر!
إنه يتدرّب على النقد حقاً! وما زال أكثر من اتجاه فيه يستكشف عوامل فشله أيديولوجيةً وفلسفةً وسياسةً وإبداعاً، كما أن أكثر من اتجاه ينبّه إلى أنّه بديل، أو إلى أنه هو أوّل الطريق، وفي كلّ مرحلة عاصفة أو شبه عاصفة كان ثمة اتجاه يريد أن يكون هو أوّل، أو الأوّل، ويرغب في أن يؤّسس لمشروع فكر عربيّ معاصر وثقافةٍ معاصرةٍ، وكانت اختياراته تتداخل مع اختياراتٍ أخرى بموادها ومراجعها وشعاراتها، تبعاً لعلاقة كلٍّ منها بذاكرة مرجعيةً بعيدة أو قريبة، وتبعاً لأحوال قوى وشبه قوى واقعيّة.
ولعلّه يحاول أن يبني ذاتيّته، وبخاصة عندما يعيد النظر في مراجعه ومصادره ودلالاته الأبستمولوجية والأيديولوجية التي غلّفت وتغلّف شبه مشروع حداثةٍ عربيّةٍ راهن، ويبرز فيه أثرُ أكثر من اتجاهٍ أوربيّ غربيّ أشاعه تفاعل وتثاقف وتجاور وتناقض، كما عكسته ظواهرُ اجتماعيّة وسياسيّة وفكريّة، ارتبطت بصراعات وتحوّلات، كما ارتبطت بتطوّرات العالم وتغيّراته التي أنجزت دون مشاركة العرب حقاً، بل عبر تهميشهم!.
ولكن! ألا يختبر حداثته، ويتأمّل علاقته بها، ويقوّمها من داخل موقف نقديّ، يتحوّل فيه النقد إلى جزءٍ من بنيته، ويتحوّل ببنيته نحو تحرير الإنتاج المعرفي والنقدي والإبداعي من كلّ سلطة خارجية تؤجّل خلخلة مفهومات وتشكيل مفهومات واستراتيجيات هي مضادة بمعنى ما: مؤقتة أو بديلةً!
النقد أوّلاً! هل هو شعاره مضمراً أو معلناً؟
ولذلك فكلّ ما لا يدخل على نحو مباشر أو غير مباشر تحت "نقد الأمة" أو "نقد الذات" يجب أن يدان، كما يقول الياس مرقص(2)، ولكن! لماذا يدان؟ وكيف يدان؟ الناس -كما يرى بحقّ- تريد المعرفة، والفكر، ولا سيّما الثوري، ينتهي حين لا يخضع مقولاته للنقد، وحين لا يفحص مفاهيمه!
الخطاب العربي المعاصر يعبّر عن مشروع ثقافة عربيةٍ معاصرةٍ فكراً ونقداً وفلسفة وإبداعاً. وقد تحرّك، كمثل الخطاب النهضويّ من قبل، ويتحرّك الآن في داخل أفضيةٍ متعدّدة ومختلفة، تهدف إلى استعادة التراث وإحيائه أو بعثه واستلهامه وتمثّله أو تبنيّه على نحو نقدي. وتحرّك، كمثل الخطاب النهضوي مستعيناً بخطاب تنوير، وبخطاب حداثة، غربيّين، حاول تمثّلهما وتعريبهما أو تقليدهما، وربما تبيئتهما في بعض تجاربه.
وقد استعان كلّ اتجاهٍ من اتجاهاته بجزء من التراث الذي هو تراثات. كما استعان كلّ اتجاه بجزء من حداثة الغرب التي هي حداثات أيضاً. وكان استهواء هذا الاتجاه أو ذاك بجزءٍ من التراث، أو بجزء من الحداثة وما بعد الحداثة، فيما بعد، يعكس وضعاً تاريخياً يشرطه تأخّر، تضاعفه تبعيّة؛ قد يستورد "ألفاظاً" حديثة كما يستورد "الأشياء" الحديثة، وقد "يحدث" أدوات دولةٍ هي سلطة فحسب؛ ولكنه لم "يحدث" الأمّة... لم يحدث الواقع والحياة من الداخل ومن الخارج في آن معاً!
فأين مشكلته إذاً؟
يرى بعضهم أن مشكلة المثقّف لم تعد مع الواقع ولا مع الدول والأنظمة، بل هي مع أفكاره بالدرجة الأولى... وهذا يتطلّب مراجعة العقل لنتاجاته ونقده لأنظمته..(3)
وعندما تكون مشكلة المثّقف مع عقله ألا يعني أنها مشكلة مع واقع، ومع ما ينتجه هذا الواقع؟ وهل تنتمي أفكاره إلى واقعٍ هو واقع الواقع والدول والأنظمة، بل السلطة ولأن عقل المثقف ليس هو عقل المثقف فحسب، بل عقل "الواقع" الذي يرغب في أن يكون مستقلاً، ويحاول أن يكون مستقلاً، وألا يكون تابعاً في عالم هو عالم الآخر حتى الآن، فقد كان إنتاج الخطاب العربي المعاصر فلسفة وفكراً ونقداً تتوزّعه ميولٌ مادية وروحيّة وعقلية وتكاملية وشخصانية ووجودية وروحية تبعاً لتصنيف جميل صليبا للاتجاهات الفلسفية العربية(4) كما برزت فيه ميول ماركسية ووضعية وبراجماتية، وتبرز فيه الآن ميول بنيويّة وما بعد بنيويّة وتفكيكيّة وغيرها. واجتهد أكثر من محاولة في التأصيل الفلسفي والنقدي والإبداعي؛ ربّما كان في مقدمتها تجربة د. عبد الرحمن بدوي في التأصيل الفلسفي التي اتجهت نحو البحث عن وجودية عربية إسلامية تحاور "شطحات الصوفية" و"تاريخ الإلحاد في الإسلام" و"شخصيات قلقة في الإسلام" وتدرس "الزمان الوجوديّ" وتناقش "الإنسانية والوجودية في الفكر العربي" وتتساءل عن إمكانية قيام أخلاق وجودية.
وستلي تجربته محاولاتٌ فلسفية ونقدية وإبداعية استهوتها الوجودية في مرحلة أشاعت أفكار هيدغر وكيركيغارد وهوسرل وميرلوبنتي وكامو وغيرهم وسارتر بشكل خاص. وسيبشّر زكي نجيب محمود بالفلسفة الوضعيّة كاستجابةٍ حارة للعلم والعلوم، كان تأثيرها ضعيفاً على الفكر وعلى الواقع، وأخذت صاحبها في أعوامه الأخيرة صحوة، ردّته إلى التراث في كتابه "تجديد الفكر العربي". وستواصل ميولٌ فلسفية ونقدية بنيوية وتفكيكية عملها هادفة إلى تكوين وعي فلسفي ونقدي ضدّيّ، كما في دراسات "مطاع صفدي" الذي ابتدأ حياته الإبداعية والنقدية قومياً وجودياً وكما في أعمال "علي حرب" و "عبد الكبير الخطيبي" و "كمال أبو ديب" وسواهم.
وبالقدر الذي شاعت فيه "فكريّات" قوميّة انحازت إلى تراثها القومي وتأثرت بأعمال فخته ونيتشه وبرغسون وغيرهم، حاولت "فكرّيات" ماركسية مختلفة أن تؤثّر في تكوين نخبة وشبه نخبة، ونقلت أشكالاً من الماركسية الرسمية وشبه الرسمية والشائعة، ودعا بعض ممثّليها إلى "تعريب" الماركسية وتبيئتها.
وظهرت أعمال جادة لحسين مروة ومهدي عامل وصادق جلال العظم وسمير أمين وأنور عبد الملك ولطفي الخولي وطيّب تيزيني ومحمود أمين العالم، وغيرهم. وقد تطورت فرضياتها تبعاً لاستجابتها للواقع وللوقائع. كما قدّمت أعمال إلياس مرقص وعبد الله العروي وياسين الحافظ أمثلة على نقد الأيديولوجية العربية المعاصرة والأيديولوجية القومية والأيديولوجية الماركسية الشائعة.
ولكن خطاب الأصول كان حاضراً دائماً أيضاً، وتبعاً لعلاقته مع الواقع المختلف اختلف خطاب الأصول من محمد عبده إلى رشيد رضا إلى حسن البنا ومصطفى السباعي وسيّد قطب وغيرهم كثير...
وكان قد شاع فيه من قبل، كما يشيع فيه الآن، شكلٌ من أشكال النقد؛ بعضه يغلب عليه اضطهاد الذات، وعلى بعضه امتداحها، وعلى بعضه الآخر تدرّبٌ على النقد. فمنذ مطالع الستينات تأخذ انطباعاتٌ نقديّة على الفكر العربي أو التفكير العربي عجزه عن التفوّق على ظروفه، وأنه لا يستطيع أن يكون حراً، ولا يتصوّر السعادة أو المثالية في هذه الحياة أو في الإنسان، ولا يدرك كمال الإنسان أو كمال الأشياء، وينزع إلى توحيد القوى في قوّة واحدة، وينكر التعدّد، فيراه ضدّ الطبيعة والفضيلة، وكما وحّد الإله وحدّ السلطان.. يترقّب قيام الساعة وفناء العالم كوسيلةٍ لتقويم الأخلاق... إنه فكر اتكاليّ، هارب من نفسه، يرفض أن يكون مسؤولاً عنها! الخ...(6).
ويشطب أدونيس تجربةً فكرية وفلسفة ونقديّة حديثة ومعاصرة، بعد أن يتساءل بدهشة عمّا قدمه النتاج الفلسفي العربي الراهن والنتاج الفكري النقدي الراهن ضمن إشكاليات الفكر العربي وخصوصيتها.
ويجيب بدهشة أيضاً:
تقريباً لا شيء! فبعضه وصفيّ، وبعضه تعريب وتثاقف، وكلّه يتحاشى البنية الدينية والمعنى المسبّق، حيث تكمن أسس الثقافة في المجتمع العربيّ. وكأنّ معياره هو مواجهة البنية الدينية والمعنى المسبّق، فالفكر العربي -فلسفةً أو نقداً- إذا أراد أن يتأسّس أولاً، وأن يكون من ثمّ جديداً، لا بدّ أن يبدأ بتحرير النّص الأوّل من مسبقات النصّ الثاني...(7)، ولم لا يبدأ بتحرير وعي البشر الواقعيّ وبتحرير حياة البشر الواقعية من شروطهما غير العادلة التي تدفع بشكل من الانتماء إلى البنية الدينية في بعض الأحيان، أو في أحيان كثيرة، كما تدفع إلى تقبّل أشكال من الحداثة الساذجة أو الرثّة في أحيان كثيرة، أو في بعض الأحيان...
إن تحرير النصّ الأول، أو التحرّر من النصّ الثاني يتطلّب تحرير الواقع بما هو تحرير للوعي.. واستيعاب ما ينتجه العقل الحديث من عقلانية، كما يفترض تحرير المجتمع. ولا يكفي أن نرى في الماركسية النظرية النقدية للغرب الحديث، والنظرية المعقولة الواضحة النافعة لنا في الدور التاريخي الذي نحياه، كما يرى العروي، إذ حكم على السلفيّة والليبرالية والتكنوقراطية بالسطحية والفشل...(. ولا بد من تأمّل علاقة هذه النظرية المعقولة الواضحة النافعة بحياة عربية غير معقولة وغير واضحة وغير نافعة!
ويؤكّد د. محمد عابد الجابري ارتباط الخطاب الفلسفي العربي المعاصر الصريح بالتيارات اللاعقلانية في الفكر الأوروبي المعاصر، بل بأكثر الجوانب لا عقلانية منه، بالإضافة إلى تجاهله القطاع الفلسفي العقلاني في التراث... بل إنه يحكم على هذا الخطاب، كلّه، بالفشل...(9) وكأنّه يتجاهل علاقة هذا الخطاب بخطاب عصر التنوير وعصر العقل والحداثة الغربي، بل علاقته بالخطاب الماركسي الأوربي بشكل خاص، كما يتجاهل علاقة الخطاب الماركسي العربي بجزء من التراث، هو جزء عقلاني وماديّ بمعنى ما!
هذه أمثلة، وغيرها كثير، تدلّ على أن خطابنا النقدي العربي ما زال يتدرّب على وعي ذاته، أي على نقد ذاته... فهل نحكم عليه بالإخفاق أو العطالة؟
إن بعضه يدعو إلى نقد جذري، وبعضه يدعو إلى نقد مزدوج على حد تعبير عبد الكبير الخطيبي وسواه، وبعضه الآخر يدعو إلى نقد حضاري شامل على حد تعبير د. هشام شرابي. وكلّه يشعر بالحاجة إلى عون النقد والوعي النقدي، بالقدر الذي نحتاج فيه إلى العلوم المختلفة وتطبيقاتها. ولكن شعار النقد الذي يطلقه خطابٌ ينتمي إلى حداثة ما، أو يريد أن ينتمي إلى الحداثة لا يعني أن هذا الخطاب يعبّر حقاً عن "اهتمامات" الجماعة، أو الكتلة الاجتماعيّة التي تطمئن إلى "يقين" يقدّمه تصوّرها التقليدي للعالم، وتتصالح مع "فكرّيات" و"تقاليد" سلفيّة يوفّرها "تديّن"، شعبي أو شبه شعبيّ، تغذّية مللٌ ونحل وطوائف وفرق، وتخرج منها دائماً نخبة إسلامية وشبه نخبة، رسميّة وغير رسميّة وشبه رسميّة، بالحلول التي تصلح بها دنيا الناس، مرجعها مطلقات النصّ الدينيّ الأوّل وشروحه وهوامش شروحه، وهو مرجع لا يتعارض مع تفاعل هادف، مباشر وغير مباشر، مع ما ينتجه الغرب، وتقابل النخبة، وشبه النخبة الأصولية نخبةٌ وشبه نخبة حديثة وشبه حديثة مرجعها نصوص حداثةٍ غربيّة لم تنفذ آثارها إلى وجدانات كتلة اجتماعيّة؛ تنظر إلى الحداثة، وبخاصة فيما يتّصل بإنتاجاتها الماديّة، كمحض فرجة!