الرئيسية
ميتشجان – د.أحمد غانم - ترى ما الذى كان يدور فى ذهن الميجور نضال مالك حسن فى الدقائق الأخيرة التى سبقت اجتياحه لأكبر قاعدة عسكرية أمريكية فى العالم وقتله 13 جندى وجرح العشرات فى سابقة تاريخية لم تحدث من قبل.
الميجور نضال حسن هو طبيب نفسى والأطباء فى أمريكا هم نجوم مجتمعهم المحلي، ينظر إليهم باحترام بالغ ويتقاضى بعضهم مرتبات أعلى من مرتب الرئيس الأمريكى نفسه.
فلماذا يقدم شخص ناجح ذكى وغني يصفه كل من تعامل معه أنه انسان وديع وهادئ ولا تفارق الإبتسامه وجهه على قتل وجرح العشرات.
كيف يتفجر كل هذا العنف فى صدر شخص انسان مسالم كان لا يرد أى اهانة أو نكتة عنصرية تأتيه من زملائه فى الجيش.
حتى عندما قام شخص عنصرى بتهشيم جزء من سيارة الميجور حسن لإنتزاع ملصق (الله محبة) الذى يزين السيارة؛ اكتفى الميجور حسن بالإعتذار الشفهى من مرتكب الحادث دون الشجار معه أو الإنتقام منه.
لم يكن الميجور حسن الأمريكي المولد والنشأة والذى يتكلم العربية بصعوبة بالغة عضوا فى أى جماعة أو تنظيم إسلامي.
وكل الجهود المضنية التى بذلتها أعتى الأجهزة الأمنية والمخابرتية الأمريكية لم تثبت إلا أنه صلى مرة فى مسجد ارتاده من قبل أحد منفذى حادثة 11 سبتمبر كما أنه تصفح بعض المواقع الجهادية على الإنترنت. وكلها أدلة هشة لا ترقى لمرتبة الادلة الجنائية.
وجاءت الأخبار حديثا بمقابلة مع راقصة تعري تعرفت على صورة الجنرال حسن فى الأخبار مدعية أنه كان زبونا دائما فى المرقص الذي تعمل به مما يدحض ادعاءات كونه ارهابيا أو عضوا فى خلية نائمة.
إذا فالميجور حسن هو شخص مسالم لطيف طبيب غنى وذكى وليس له إنتماءات سياسية وليس كما صوره الإعلام الأمريكى اليمينى كإرهابى له صلات بالإخوان والقاعدة فى ان واحد.
وهو كذلك ليس بالشخص العنيف كما صوره الإعلام الليبرالى الأمريكى والذى اعتبر الحادث امتدادا للعنف المنتشر فى أماكن العمل فى المجتمع الأمريكى ودللوا على ذلك بحدث مشابه حيث فتح عامل مفصول فى فلوريدا النار على زملائه إنتقاما من فصله فى اليوم التالي لحادثة فورت هود.
والذى يريد أن يفهم لماذا فعلها حسن فليمشى لابسا حذائه كما يقول المثل الأمريكى.
تخيل نفسك الميجور حسن .. طبيب نفسي تعالج الجنود العائدين من العراق وأفغانستان .. تخيل نفسك ترتدى معطفك الأبيض وتجلس فى عيادتك يوميا لسنوات وسنوات تعالج جنودا لا يعانون من أمراض نفسية عادية وإنما يعانون من صدمات نفسية عنيفة دفعتهم إلي حافة الانتحار.
والذى درس الأمراض النفسية يعرف أن مرض (اضطراب الضغط النفسي ما بعد الصدمة) وهو المرض الذى تخصص فيه الميجور حسن هو مرض يصيب الإنسان نتيجة لتعرضه لحادثة متفردة فوق العادة غير متكررة وليست نتيجة الضغوط أو الحوادث العادية التى تحدث فى حياة الشخص.
وإذا كانت مهمة الجندي وطبيعة عمله اليومي هو القتل والتدريب على القتل فيصير القتل حدثا عاديا فى حياة الجندي فلا نتصور أن الضغوط النفسية للمعارك العادية يمكن أن تصل لمرحلة مرض (اضطراب الضغط النفسي ما بعد الصدمة).
كان الميجور حسن يعالج جنودا عايشوا أو شاركوا فى فظائع تتعدى حوادث القتال الميدانى العادى.
وقضى الميجور حسن سنوات يستمع لفظائع ارتكبت يشيب لها الولدان لدرجة حولت هؤلاء الجنود من حالة الصحة واللياقة إلى بقايا إنسان لا يستطيع النوم دون أن تجتاحة أشباح الفظائع المروعة التى عايشها.
كم قصة اغتصاب وقتل جماعي وتعذيب استمع لها الميجور حسن من مرضاه وهم يخرجون ما بصدورهم ليرتاحوا بينما يكتمها الميجور حسن فى صدره لأمانة العلاقة بين الطبيب ومريضه وهو الأعزب الذى يعيش وحيدا بلا زوجة أو أصدقاء يريحون صدره.
تخيل نفسك الميجور حسن وكيف أن بعض هذه القصص تتشابه مع قصص أخرى حكاها له والداه المهاجران من فلسطين عندما كان صغيرا عن وطنهم الأم ولماذا سموه نضال..نضال حسن.
وقد أكدت الأنباء بالأمس صدق هذا التحليل حيث اعترف جنرال أمريكي بأن حسن تقدم بطلب لاحلاله من مسؤليته الأخلاقية والقانونية كطبيب تجاه أسرار مرضاه والتى تحظر افشائه بأي سر سمعه من مرضاه كى يتمكن من فضح جرائم حرب ارتكبت فى أفغانستان والعراق ولم يتم اكتشافها أو التحقيق فيها.
رفض الجيش الأمريكي طلب حسن وأمره بعدم افشاء أي أسرار لمرضاه وإلا تعرض للمحاكمة العسكرية.
فهل كان الجيش الأمريكي بهذا الرفض يحمي حقوق مرضاه أم أنه يحمي الجيش الأمريكي من التعرض لفضيحة عالمية مدوية لممارسات وحشية على غرار أبو غريب عندما نشرت وسائل الإعلام صور لطخت حلم العدالة والديمقراطية الأمريكية إلى الأبد فى قلوب الملايين.
فهل فتح الميجور حسن النار على القاعدة العسكرية انتقاما من مئات الجرائم التى سمعها على مدى سنوات وظلت حبيسة فى صدره الذى ضاق ذرعا برفض الجيش الأمريكي التحقيق فيها وربما مورست ضغوط من وراء ستار لإرهابه حتى لا يفتح للرأى العام صدره الذى أصبح مثل صندوق بندورا.
ليس هناك تبرير للقتل وما فعله الميجور حسن هو عمل إجرامي وليس بطولي لا يبرره دين أو قانون ولكن أحدا لم يحاول أن يفهم الجذور الحقيقية التى حولت مداوي الجراح إلى مسببها.
حاول الميجور حسن أن يتقاعد من الجيش فى أعقاب 11 سبتمبر وغزو أفغانستان ولكن طلبه رفض لارتباطه بعقد طويل الأمد مع الجيش حيث دفع الجيش نفقات كلية الطب الباهظة للميجور حسن ليستفيد من خدماته لأطول فترة ممكنة وخصوصا فى وقت الحرب والذى يقل فيه عدد المنضميين للجيش نظرا لكون التجنيد إختيارا فى أمريكا.
حاول الميجور حسن أن يرسل أشارات لم يتلقاها أحد فكان يلقى بعض التعليقات التى تدين ممارسات الجيش الأمريكي فى العراق وأفغانستان ودخل فى حوارات سياسية مع بعض قادة وحدته والذين أبلغوا عنه المخابرات الحربية التى لم تجد ما يثير القلق من ناحية الميجور حسن.
وعلى عادة المستشفيات الأمريكية يقوم كل طبيب بتحضير محاضرة يشرح فيها حالة معقدة أو نادره عاينها فكانت محاضرة الميجور حسن منصبة على الآثار السلبية لتجنيد مسلمي الجيش الأمريكي فى العراق وأفغانستان والتي نشرتها جريدة الواشنطن بوست وربما لم يكن الميجور حسن يدري أنه نفسه سيكون دليل حي على نظريته فى المحاضرة!
وجاءت القشة التي قسمت ظهر الميجور حسن بوصوله أمر ارساله شخصيا إلى العراق. ولا ندري ماذا دار فى عقل الميجور حسن فى تلك اللحظة.
هل احس أن أفلام الرعب التى عاشها سماعا من أفواه الجنود المرضى ستصبح حقيقة يعيشها بلحمه ودمه ويتحول من مجرد متفرج مشمئز مفزوع إلى أحد أبطال الفيلم.
كل ما نعرفه أن الميجور حسن قام يوم الخميس كعادته كل صباح وذهب ليتناول قهوته فى المحل الصغير المجاور للقاعدة العسكرية حيث يتجاذب اطراف الحديث مع صاحب المحل ذو الأصل العربي.
وأظهرت كاميرات المراقبة فى المحل الميجور حسن فى رداء (باكستاني) وهو يبتسم ويعد قهوته قبل 6 ساعات من حدوث الحادثة.
فماذا كان يدور بذهنه ذلك الصباح؟
الحقيقة أنه لا أحد يعلم يقينا والوحيد الذي يمكنه الإجابة على هذا السؤال هو الطبيب الميجور نظال مالك حسن الذي شاء له الله أن يظل على قيد الحياة لييدأ الكلام قريبا ولتفتح صفحة جديدة ومثيرة من حياة انسان منعزل هادئ تحول فى دقائق معدودة ليصبح عنوانا رئيسيا لأشهر المجلات والنشرات العالمية والذى ستأخذه جريمته حتما إلى كرسي الإعدام وحينها لن يكون لديه شئ يخسره.
وعندها ربما يفشي حسن كل الأسرار وجرائم الحرب التي يعرف أدق تفاصيلها وحينها ربما يواجه الجيش الأمريكي فضيحة مدوية تعيد للأذهان أشباح سجن أبو غريب.
