تطور علم الطب
أولاً: تطور علم التشريح:
http://upload.wikimedia.org/wikipedi...x-Skeleton.jpgوقول ابن رشد: "من اشتغل بعلم التشريح ازداد إيماناً", وقول الرازي: (يُحْتَاجُ في استدراك عِلَلِ الجسم الباطنة إلى العلم بجوهرها أولاً بأن تكون قد شُوهِدَتْ بالتشريح...).
و يؤكد بعضهم ممارسة المتأخرين منهم للتشريح بشكل قاطع، يقول جول لابوم: "كان الأطباء العرب في القرن العاشر يُعَلِّمُون تشريحَ الجثثِ في قاعات مدرجة خُصِّصَتْ لذلك في جامعات صقلية".
وعلى الرغم من كل ما سبق فإن للأطباء المسلمين فضلا في تطوير هذا العلم ولهم ابتكارات نذكر منها:
الكتب والتصانيف ابتدع ابن النفيس بدعةَ تصنيف مُؤَلَّف خاص بالتشريح في تأليفه كتاب (شرح تشريح القانون).
موفق الدين البغدادي: أرشد إلى مواطن الضعف في وصف جالينوس لبعض أجزاء الهيكل العظمي وأكد على سبيل المثال أن الفك الأسفل قطعة واحدة وليس قطعتين بعد أن فحص أكثر من ألفي جمجمة بشرية في أحد المقابرحيث يقول:" والذي شاهدناه من حال هذا العضو أنه عظم واحد وليس فيه مفصلٌ ولا دِرزٌ أصلاً".
لقد سبق ابن النفيس الإنجليزي (وليام هارفي) في اكتشاف الدورة الدموية الصغرى ( الدورة الرئوية ) بمئات السنين ، كما سبق سرفيتوس بثلاثة قرون في اكتشاف وإثبات أن الدم يُنَقَّى في الرئتين؛ جاء في وصفه تشريح الشريان الوريدي في كتابه (شرح تشريح القانون)
الدورة الدموية في الشرايين التاجية: لقد كان ابن النفيس أول من فطن إلى وجود أوعية داخل جِرْمِ القلب تغذيها؛ وبذلك كان أول من وصف الشريان الإكليكي وفروعه
الدورة الدموية في الأوعية الشعرية :إن أول من أشار إلى تلاقي الشرايين بنهايات الأوردة هو ( إيراستراتوس ) . إلا أن علي بن العباس المجوّسي كان أول من وصف ذلك بشكل جلي حيث وصف الدورة الدموية الشعرية وقبل هارفي بكثير
الرازي : هو أول من قال بوجود الفرع الحنجري للعصب الصاعد وقد لاحظ بأنه يكون بفرعين في الجهة اليمنى في بعض الأحيان.
ثانياً: تطور علم الجراحة:
كان أول كتاب عربي ظهر في الجراحة هو كتاب (في صناعة العلاج بالحديد) لإسحاق بن حنين إلا أن هذا الكتاب لم يصلنا.
ثم توالت كتابات الأطباء العرب في ذلك وأبرز من كتب منهم كان علي بن العباس حيث كتب فصلاً خاصاً عن الجراحة في كتابه (كامل الصناعة), ثم أتبعه الرازي بموسوعته (الحاوي في الطب) والذي ضَمَّنه فصولاً كثيرة، ومواضيع عديدة وجديدة في مختلف فروع الجراحة, وجاء ابن سينا بقانونه الدي ورد فيه الشيء الكثير من الأمور الجراحية والعمليات العديدة, و أبو القاسم الزهراوي صاحب كتاب (التصريف لمن عجز عن التأليف), فبتأليفه هذا الكتاب قفز علم الجراحة إلى الصدارة بين العلوم الطبية الأخرى, واعتُبِرَ الزهراوي بحقٍّ أوَّلَ من فرَّق بين الجراحة والمواضيع الطبية, وأول من جعل أساس هذا العلم قائماً على التشريح لأنه اعتمد هذين الركنين أساساً في بحثه الذي خصصه للجراحة في كتابه, واعتبر الجزء من كتابه (المقالة الثلاثون) التي أفردها للجراحة أول ما كُتِبَ في علم الجراحة مقروناً برسوم إيضاحية كثيرة للأدوات والآلات الجراحية ثم جاء ابن القف بعده وألف كتاب (العمدة في صناعة الجراحة الخاصة باليد) والذي اعتمد فيه كثيراً على كتابات الزهراوي.
علم الكائنات الدقيقة وعدوى الجروح:
على الرغم مما يقال من أن المفهوم الكامل عن الكائنات الدقيقة والبكتيريا كمُسَبِّبٍ للمرض قد أقامه(باستير) واستمر به (ليستر)، فقد كان لدى العلماء المسلمين قديما فكرة عن البكتيريا -وإن تكن غامضة- فقد ذكر ابن خاتمة في بداية القرن 14 أن هناك "أجساما صغيرة تسبب أمراضاً "، وقبله بأربعة قرون سُئِلَ الرازي عن اختيار موضع لبناء مَصَحٍّ في بغداد؛ فأجرى تجربة طريفة، إذ أمر بتعليق قطع من اللحم في أماكن متفرقة من البلدة وفحصها بعدها بعدة أيام, وتميز المكان الذي كانت به قطعة اللحم أقل عفنا وأبطأ فسادا.
العناية بالجروح:
لقد استعمل العديد من الأطباء والجراحين المسلمين الخيوط الجراحية وبنجاح، وكان الفضل لابن سينا في ذكر الغيار الجاف.
صرف الخراريج:
يذكر "كتاب التصريف " بالتفصيل الكامل تفاصيل صرف الخُرَّاج، مكان وطريقة الفتح، تعبئة الجرح، تهيئة أطراف الجلد، ودلالة وأهمية الصرف المضاد، واستعمال الضغط البطيء المستمر التدريجي لتفريغ التجاويف الكبيرة خصوصا أثناء الحمل وأطراف العمر.
أما في جراحة العظام فبجانب المشاكل المعهودة من التهاب عظمي نقي والبتر وخلافه نجد الزهراوي يناقش -وبالتفصيل- الظأي للعظام وتلك الكسور غير ملتحمة جيداً وتصويبها، ومن شهادة سينك وليوس إن تلك الآلات التي وضعها الزهراوي أوضحت مجموعة ضخمة من المناشير والمجسات ومباضع العظام والمطارق والثواقب تفوق كثيرا ما وصفه من سبقوه.
وقد كانت إزالة حصى المثانة الكبيرة من أضخم مشاكل الجراحة في تلك الآونة، وقد أدخل الزهراوي وبنجاح استعمال الملاقط الكبيرة لحل هذه المعضلة، وأمكن بها سحق الحصى، وبعدها تُزَال في صورة رمال صغيرة أو حبيبات متضائلة؛ وبذا يُعتَبَر أول من ابتكر في علم تفتيت الحصى.
يبدو أن البواسير كانت ضمن المشاكل الجسيمة في الانشغال الجراحي في ذلك الوقت، ويتبدَّى هذا من تخصيص مراجع وفيرة عن هذا الموضوع، فقد كتب أبو عمران موسى بن ميمون (1135- 1204) كتابا خاصا لهذا الموضوع عنوانه (في البواسير), وأَكَّدَ فيه على دور الغذاء وإمكانية الجراحة لبعض الحالات.
جراحة الأذن والأنف والحنجرة.
لا مِرَاءَ أن أول من أجرى الفغر الرغامي هم الجراحون المسلمون، كما قاموا بقطع اللوزتين بالجيلوتين الذي كان من اكتشاف الزهراوي، بالإضافة إلى الملقاط الخاص و مُبعِد الفكين لجراحة الحلق والذي رُسِمَ بدقة متناهية في مقاييس الحجم في "التصريف ". وناقش بالإضافة إلى ذلك أيضا مضاعفات قطع اللوزتين والأورام بهما.
أمَّا فضل إيجاد علاقة بين الدراق والجحوظ فيعود إلى الجرجاني (المتَوَفَّى 1136 هـ). ويُقِرُّ إمام الجراحة الأمريكية هالستر بأن استئصال الغدة الدرقية لعلاج الدراق تمثل "في الغالب أفضل من أي عملية وهي النصر الأكيد لفن الجراحة".وأول نجاح في قطع الدرقية أَدَّاه الزهراوي في 952 م في مدينة الزهراء.
طب الأسنانhttp://www.tabebak.com/PE02455_1.gif
هناك العديد من الكتب التي أنتجها جراحو طب الأسنان المسلمون، فيها ورد ذكر استخدام السلك لتثبيت الأسنان السائبة، واستخراج جذور الأسنان المكسورة وأجزاء الفك بواسطة ملقط خاص، بل تركيب الأسنان المصنعة من عظام الثور. وكلها أجراها الزهراوي لأول مرة وبنجاح. ويذكر الزهراوي أيضاً استخدام الكي الأنبوبي في كي اللثة وعلاج الباسور الفمي الجلدي. ويشارك ابن القف أيضا في صناعة الأسنان المُصَنَّعة من العظام
جراحة العيون
ولا زال كتاب "نور العيون " للجرجاني قطعة فنية إلى يومنا هذا، واستحق مؤلفه (القرن الخامس الميلادي) أن يُعرَفَ باسم الجرَّاح ذي اليد الذهبية.
أما الزهراوي فيُورِد في تفصيل كافٍ وشَرْحٍ وافٍ عدداً كبيراً من العمليات التي تجرى خارج المُقلة، وتَضَمَّن شرحُه إيراد بعض الآلات المبتكرة مثل الخطاطيف. أما عن منظار العين ومِقَصِّ الملتحمة لإزالة السبل فقد سبق وعالج موضوعاتها على بن عيسى الكَحَّال (المُتَوَفَّى 350 هـ) في مؤلفه (تذكرة الكحالين). ووصف الزهراوي وابن سينا المجسق الدمعي أو المِسبار الدمعي.
وفي البصريات ألّف ابن الهيثم ما يقرب من أربعة وعشرين موضوعًا ما بين كتاب ورسالة ومقالة، كما أن له في الطب كتابين: أحدهما في "تقويم الصناعة الطبية" ضمّنه خلاصة ثلاثين كتابا قرأها لجالينوس، والآخر "مقالة في الرد على أبي الفرج عبد الله بن الطيب" لإبطال رأيه الذي يخالف فيه رأي جالينوس، وله أيضًا رسالة في تشريح العين وكيفية الإبصار.
وكتاب ابن الهيثم (المناظر) كان ثورة في عالم البصريات، فابن الهيثم لم يتبن نظريات بطليموس ليشرحها ويجري عليها بعض التعديل، بل إنه رفض عدداً من نظرياته في علم الضوء، بعدما توصل إلى نظريات جديدة غدت نواة علم البصريات الحديث.
فقد كان بطليموس يزعم أن الرؤية تتم بواسطة أشعة تنبعث من العين إلى الجسم المرئي، وقد تبنى العلماء اللاحقون هذه النظرية، ولما جاء ابن الهيثم نسف هذه النظرية في كتابه "المناظر"، وبين أن الرؤية تتم بواسطة الأشعة التي تنبعث من الجسم المرئي باتجاه عين المبصر، وبعد سلسلة من الاختبارات أجراها ابن الهيثم بيّن أن الشعاع الضوئي ينتشر في خط مستقيم ضمن وسط متجانس.
وقد أثبت ذلك بقوله في كتاب المناظر: "إما أن يكون (أي الشعاع ) جسما أو لا، فإن كان جسما فنحن إذا نظرنا إلى السماء ورأينا الكواكب فقد خرج من البصر جسم ملأ ما بين السماء و الأرض ولم ينقص من البصر شيء وهذا محال في غاية الاستحالة وفي غاية الشناعة، وإن لم يكن جسما فهو لا يحس هو نفسه بالبصر، فالإحساس ليس إلا للأجسام ذات الحياة.."
وقد نجح ابن الهيثم وهو بمصر في تطوير علم البصريات بشكل جذري، وذلك حين برهن رياضيا وهندسيا علي أن العين تبصر وتري بواسطة انعكاس الإشاعات من الأشياء المبصرة علي العين وليس بواسطة شعاع ينبثق من العين إلى الأشياء، وبذلك أبطل ابن الهيثم النظرية اليونانية لكل من أقليدس وبطليموس، التي كانت تقول بأن الرؤية تحصل من انبعاث شعاع ضوئي من العين إلى الجسم المرئي.
كذلك برهن ابن الهيثم رياضيا وهندسيا علي كيفية النظر بالعينين معا إلى الأشياء في آن واحد دون أن يحدث ازدواج في الرؤية برؤية الشيء شيئين، وعلل ابن الهيثم ذلك بأن صورتي الشيء المرئي تتطابقان علي شبكية العينين، وقد وضع ابن الهيثم بهذه البرهنة وذلك التعليل الأساس الأول لما يعرف الآن باسم الاستريسكوب.
وكان ابن الهيثم أول من درس العين دراسة علمية، وعرف أجزاءها وتشريحها ورسمها، وأول من أطلق علي أجزاء العين أسماء أخذها الغرب بنطقها أو ترجمها إلى لغاته، ومن هذه الأسماء: القرنية (Cornea )، والشبكية ( Retina )، والسائل الزجاجي (Viteous Humour )، والسائل المائي (Aqueous Humour).
ووصفه أرنولد في كتاب " تراث الإسلام" يقول عنه: "إن علم البصريات وصل إلى الأوج بظهور ابن الهيثم".
وقد سحرت بحوث ابن الهيثم في الضوء "ماكس مايرهوف" وأثارت إعجابه إلى درجة جعلته يقول: "إن عظمة الابتكار الإسلامي تتجلى لنا في البصريات".
أما دائرة المعارف البريطانية فقد وصفته بأنه رائد علم البصريات بعد بطليموس.
ويقول د. تشالرز جروسي (متخصص في فسيولوجيا الأعصاب والجوانب العصبية والنفسية للإبصار) بعد دراسة قيمة في كتاب المناظر: "والخلاصة الأساسية التي يمكننا الخروج بها هي أن هذا الرجل المرموق يستحق منا دراسة أعمق، فمع أن العمل الفريد الذي قام به ابن الهيثم في دمج الفيزياء والرياضيات ووظائف الأعضاء في نظرية جديدة عن الابصار قد احتل مكانة تاريخية، إلا أن نظرياته عن سيكولوجية الإدراك وآثارها ستظل مجالاً خصبا ومهماً للبحث والدراسة
علم الأورام
حَذَّرَ معظمُ الجراحين المسلمين من استعمال السكين في الأورام الخبيثة، وقد خَصَّها بالذكر كل من الزهراوي وابن سيناء مع التشديد علي أن الأورام الخبيثة
جراحة الأعصاب
مارس الجراحون المسلمون تصريف قوة الرأس الذي ذكره اليونانيون وقد شرح الزهراوي وابن القف بالتفصيل أعراض النزف القحفي الداخلي والخارجي، الناجم عن إصابة الجمجمة من الأسهم. وبالرغم من أن الفدغ من العمليات المعروفة قديمة إلا أن الزهراوي قام بوصف آلات جديدة مستحدثة لهذه العملية الدقيقة.
إبداعات العرب في مجال الجراحة
توصلوا إلى وصف دقيق لعملية نزف الدم, وقالوا بالعامل الوراثي في ذلك، حيث وجدوا أن بعض الأجسام لديها استعداد للنزف أكثر من غيرها، وتابعوا ذلك في عائلة واحدة لديها هذا الاستعداد وعالجوه بالكي، كما نجحوا في إيقاف الدم النزيف أيضًا بربط الشرايين الكبيرة. وأجروا العمليات الجراحية في القصبة الهوائية، بل إن الزهراوي (ت 427هـ، 1035م) كان أول من نجح في عملية فتح الحنجرة (القصبة الهوائية) وهي العملية التي أجراها على أحد خدمه. ولعل العرب كانوا من أوائل من أشاروا إلى ما يسمى الآن بجراحة التجميل، وقد بينوا كيفية هذه الجراحة في الشفة والأنف. وتوصلوا إلى أساليب في تطهير الجروح وطوروا أدوات الجراحة وآلاتها. وكان للجراحين العرب فضل كبير في استخدام عمليتي التخدير والإنعاش على أسس تختلف عما نقلوه من الأمم الأخرى.
ثالثاً: علم الكحالة
فقد برعوا في قدح الماء الأزرق من العين مع الصعوبة التي تكتنف إجراء مثل هذه العملية حتى اليوم. وكانت نتائج هذه العمليات مضمونة. أيضا أجروا عمليات جراحية لقدح الماء الأبيض (الساد). كما أَلَّف العرب العديد من الكتب في طب العيون وجراحاتها ومداواتها. ومن أشهر كتب الكحالة كتاب (عشر مقالات في العين) لحنين بن إسحاق. ويعتبر المستشرقون علي بن عيسى الكحال (ت 430هـ،1039م). أكبر طبيب للعيون أنجبته العصور الوسطى، وترجموا كتابه (المنتخب في علاج أمراض العين), إلى اللاتينية مرتين وإلى العبرية. أما أفضل من كتب عن العين من الجانب الفيزيائي فهو الحسن بن الهيثم (ت 430هـ، 1038م)، وامتاز وصفه للعين بالدقة. كما بحث في قضايا البصريات وفي طبيعة النظر، وقال: "إن النور يدخل العين لا يخرج منها، وأن شبكية العين هي مركز المرئيات، وأن هذه المرئيات تنتقل إلى الدماغ بوساطة عصب البصر، وأن وحدة النظر بين الباصرتين عائد إلى تماثل الصور على الشبكيتين...".
رابعاً: النساء والولادة.
وشرح ابن سينا وغيره آلية الولادة وكيفية خروج الجنين طبيعيًا بنزول رأسه أولاً، والولادة غير الطبيعية ـ القيصرية ـ بخروج الرجلين أولاً. وقد أجرى الأطباء المسلمون عمليات قيصرية ناجحة. وكتبوا عن العقم وأسبابه، وعزوه إلى أسباب في الرجل وأسباب في المرأة.
كما شخصوا أعراض ما نسميه الآن بالحمل الكاذب (الرحا).
خامساً: الأطفال
اهتم الأطباء العرب بمراحل حياة الطفل منذ مولده، ولم يختلف تقسيمهم هذا كثيرًا عن تقسيم المحدثين. وتعرضوا لذكر أطوار الجنين في بطن أمه، وكيفية العناية به حالما يخرج إلى الحياة. كما حظي موضوع إرضاع الأطفال بنصيب وافر من العناية، ويعتبر كتاب الطبيب العربي أبي الحسن أحمد بن محمد الطبري (ت366هـ، 976م) أقدم مخطوط عربي موجود لدينا في طب الأطفال، نظرًا لعدم توافر نسخة عربية من مؤلف الرازي السابق، الذي توجد له ترجمات بالإيطالية والإنجليزية وقديمًا بالعبرية واللاتينية.
. فيذكر ابن سينا في الفصل الأول من الكتاب الأول من القانون ¸أن أول ما ينبغي على الطبيب عمله أن يبدأ بقطع السُّرة نحو أربع أصابع ويغسل جسمه، ويلبس ويقطَّر في عينيه وينظف منخره. وينبغي أن يوضع في مكان معتدل الهواء ليس ببارد ولا حار… ويجب أن يكون إحمامه بالماء المعتدل صيفًا وبالماء المائل إلى الحرارة غير اللاذعة شتاءً… ثم يقطر في أنفه الزيت العذب•. وأجمعوا على أن لبن الأم أفضل أنواع الحليب للطفل. أما مدة الإرضاع، فقد حددوها بعامين، ولعلهم اهتدوا في ذلك بما ورد في القرآن ﴿والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة﴾ البقرة: 233. واشترطوا أن يكون الفطام في موسم اعتدال الطقس، فلا يكون في الصيف القائظ ولا الشتاء القارص. وهذا ما يؤيده الطب الحديث أيضًا؛ إذ إن ذلك يجنب الطفل الإصابة بالنزلات المعوية، حيث تقل كفاءة الجهاز الهضمي للطفل.
سادساً الطب النفسي.وكانوا يرون الوهم والأحداث النفسية من العلل التي تؤثر في البدن. لذا نجد أن إخوان الصفا أشاروا إلى إعطاء المريض الفرصة ليسرد أحوال علّته وأسبابها كما يشعر بها هو، ثم يشرع الطبيب بعد ذلك في محاولة إزالتها ورفع الوهم المسيطر على المريض والتقليل من شأن المرض. وقد خصص الأطباء جناحًا في كل مستشفى كبير للأمراض العصبية والعقلية. وأشار الرازي إلى أهمية العامل النفسي في العلاج، وكان أول طبيب يتوصل إلى الأصول النفسية لالتهاب المفاصل الروماتيزمي. وقد فرق بينه وبين مرض النقرس. بل إن الرازي رأى أن بعض أنواع سوء الهضم تنشأ عن أسباب نفسية. وكتب بعض الأطباء رسائل ومؤلفات في الصحة النفسية، فكتب ابن عمران كتابًا عن المالنخوليا. ونجد أن ابن سينا قد عالج في (جرجان) أحد أبناء الأمراء بعد أن استعصى علاجه على جميع الأطباء. وتوصل عن طريق الاستقصاء إلى أن الفتى لم يكن به أي مرض عضوي وأنه مشغوف بإحدى فتيات حي معين. وبملاحظة اضطراب نبض الفتى توصل ابن سينا لمعرفة اسم الحي واسم الفتاة.