وَقَرَأْت فِي كِتَابِ ( السُّنَنِ ) رِوَايَةَ حَرْمَلَةَ بْنِ يَحْيَى عَنْ الشَّافِعِيِّ رحمه الله قَالَ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { لَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ } , الْآيَتَيْنِ . قَالَ يُقَالُ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) إنَّ بَعْضَ الْمُسْلِمِينَ تَأْثَمُ مِنْ صِلَةِ الْمُشْرِكِينَ أَحْسَبُ ذَلِكَ لَمَّا نَزَلَ فَرْضُ جِهَادِهِمْ , وَقَطَعَ الْوِلَايَةَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُمْ , وَنَزَلَ : { لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } الْآيَةَ فَلَمَّا خَافُوا أَنْ تَكُونَ [ الْمَوَدَّةُ ] : الصِّلَةَ بِالْمَالِ , أَنْزَلَ : { لَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إلَيْهِمْ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ }
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : وَكَانَتْ الصِّلَةُ بِالْمَالِ , وَالْبِرُّ وَالْإِقْسَاطُ وَلِينُ الْكَلَامِ , وَالْمُرَاسَلَةُ بِحُكْمِ اللَّهِ غَيْرَ مَا نُهُوا عَنْهُ مِنْ الْوِلَايَةِ لِمَنْ نُهُوا عَنْ وِلَايَتِهِ : مَعَ الْمُظَاهَرَةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ . وَذَلِكَ : أَنَّهُ أَبَاحَ بِرَّ مَنْ لَمْ يُظَاهِرْ عَلَيْهِمْ : مِنْ الْمُشْرِكِينَ . وَالْإِقْسَاطُ إلَيْهِمْ , وَلَمْ يُحَرِّمْ ذَلِكَ إلَى مَنْ أَظْهَرَ عَلَيْهِمْ ; بَلْ : ذَكَرَ الَّذِينَ ظَاهَرُوا عَلَيْهِمْ , فَنَهَاهُمْ عَنْ وِلَايَتِهِمْ وَكَانَ الْوِلَايَةُ : غَيْرَ الْبِرِّ وَالْإِقْسَاطِ . وَكَانَ النَّبِيُّ ( صلى الله عليه وسلم ) فَادَى بَعْضَ أَسَارَى بَدْرٍ , وَقَدْ كَانَ أَبُو عَزَّةَ الْجُمَحِيُّ مِمَّنْ مَنَّ عَلَيْهِ : وَقَدْ كَانَ مَعْرُوفًا بِعَدَاوَتِهِ , وَالتَّأْلِيبِ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ وَلِسَانِهِ . وَمَنَّ بَعْدَ بَدْرٍ عَلَى ثُمَامَةَ بْنِ أُثَالٍ : وَكَانَ مَعْرُوفًا : بِعَدَاوَتِهِ , وَأَمَرَ بِقَتْلِهِ ; ثُمَّ مَنَّ عَلَيْهِ بَعْدَ إسَارِهِ . وَأَسْلَمَ ثُمَامَةُ , وَحَبَسَ الْمِيرَةَ عَنْ أَهْلِ مَكَّةَ : فَسَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) , أَنْ يَأْذَنَ لَهُ أَنْ يَمِيرَهُمْ ; فَأَذِنَ لَهُ فَمَارَهُمْ . وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا } , وَالْأَسْرَى يَكُونُونَ مِمَّنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ أَنَا الْحَسَنُ بْنُ رَشِيقٍ ( إجَازَةً ) , قَالَ : قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَهْدِيُّ : سَمِعْت الرَّبِيعَ بْنَ سُلَيْمَانَ , يَقُولُ : سَمِعْت الشَّافِعِيَّ ( رحمه الله ) , يَقُولُ : مَنْ زَعَمَ : مِنْ أَهْلِ الْعَدَالَةِ أَنَّهُ يَرَى الْجِنَّ أَبْطَلْتُ شَهَادَتَهُ لِأَنَّ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) يَقُولُ : { إنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ } إلَّا أَنْ يَكُونَ نَبِيًّا .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَبِي عَمْرٍو قَالَ : ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) , قَالَ : أَكْرَهُ أَنْ يُقَالَ لِلْمُحَرَّمِ : صَفَرٌ ; [ وَلَكِنْ يُقَالُ لَهُ : الْمُحَرَّمُ . ] [ وَإِنَّمَا كَرِهْت أَنْ يُقَالَ لِلْمُحَرَّمِ : صَفَرٌ ; مِنْ قِبَلِ : أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ ] كَانُوا يَعُدُّونَ , فَيَقُولُونَ : صَفِرَانِ ; لِلْمُحَرَّمِ وَصَفَرٍ ; وَيَنْسَئُونَ : فَيَحُجُّونَ عَامًا فِي شَهْرٍ , وَعَامًا فِي غَيْرِهِ . وَيَقُولُونَ : إنْ أَخْطَأْنَا مَوْضِعَ الْمُحَرَّمِ , فِي عَامٍ أَصَبْنَاهُ فِي غَيْرِهِ . فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { إنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ } الْآيَةَ . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) : ( إنَّ الزَّمَانَ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ; السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا ; مِنْهَا أَرْبَعٌ حُرُمٌ : ثَلَاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقِعْدَةِ , وَذُو الْحِجَّةِ , وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبٌ شَهْرُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ ) .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَلَا شَهْرَ يُنْسَأُ , وَسَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) : الْمُحَرَّمَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : وَكَانَتْ الصِّلَةُ بِالْمَالِ , وَالْبِرُّ وَالْإِقْسَاطُ وَلِينُ الْكَلَامِ , وَالْمُرَاسَلَةُ بِحُكْمِ اللَّهِ غَيْرَ مَا نُهُوا عَنْهُ مِنْ الْوِلَايَةِ لِمَنْ نُهُوا عَنْ وِلَايَتِهِ : مَعَ الْمُظَاهَرَةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ . وَذَلِكَ : أَنَّهُ أَبَاحَ بِرَّ مَنْ لَمْ يُظَاهِرْ عَلَيْهِمْ : مِنْ الْمُشْرِكِينَ . وَالْإِقْسَاطُ إلَيْهِمْ , وَلَمْ يُحَرِّمْ ذَلِكَ إلَى مَنْ أَظْهَرَ عَلَيْهِمْ ; بَلْ : ذَكَرَ الَّذِينَ ظَاهَرُوا عَلَيْهِمْ , فَنَهَاهُمْ عَنْ وِلَايَتِهِمْ وَكَانَ الْوِلَايَةُ : غَيْرَ الْبِرِّ وَالْإِقْسَاطِ . وَكَانَ النَّبِيُّ ( صلى الله عليه وسلم ) فَادَى بَعْضَ أَسَارَى بَدْرٍ , وَقَدْ كَانَ أَبُو عَزَّةَ الْجُمَحِيُّ مِمَّنْ مَنَّ عَلَيْهِ : وَقَدْ كَانَ مَعْرُوفًا بِعَدَاوَتِهِ , وَالتَّأْلِيبِ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ وَلِسَانِهِ . وَمَنَّ بَعْدَ بَدْرٍ عَلَى ثُمَامَةَ بْنِ أُثَالٍ : وَكَانَ مَعْرُوفًا : بِعَدَاوَتِهِ , وَأَمَرَ بِقَتْلِهِ ; ثُمَّ مَنَّ عَلَيْهِ بَعْدَ إسَارِهِ . وَأَسْلَمَ ثُمَامَةُ , وَحَبَسَ الْمِيرَةَ عَنْ أَهْلِ مَكَّةَ : فَسَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) , أَنْ يَأْذَنَ لَهُ أَنْ يَمِيرَهُمْ ; فَأَذِنَ لَهُ فَمَارَهُمْ . وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا } , وَالْأَسْرَى يَكُونُونَ مِمَّنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ أَنَا الْحَسَنُ بْنُ رَشِيقٍ ( إجَازَةً ) , قَالَ : قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَهْدِيُّ : سَمِعْت الرَّبِيعَ بْنَ سُلَيْمَانَ , يَقُولُ : سَمِعْت الشَّافِعِيَّ ( رحمه الله ) , يَقُولُ : مَنْ زَعَمَ : مِنْ أَهْلِ الْعَدَالَةِ أَنَّهُ يَرَى الْجِنَّ أَبْطَلْتُ شَهَادَتَهُ لِأَنَّ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) يَقُولُ : { إنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ } إلَّا أَنْ يَكُونَ نَبِيًّا .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَبِي عَمْرٍو قَالَ : ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) , قَالَ : أَكْرَهُ أَنْ يُقَالَ لِلْمُحَرَّمِ : صَفَرٌ ; [ وَلَكِنْ يُقَالُ لَهُ : الْمُحَرَّمُ . ] [ وَإِنَّمَا كَرِهْت أَنْ يُقَالَ لِلْمُحَرَّمِ : صَفَرٌ ; مِنْ قِبَلِ : أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ ] كَانُوا يَعُدُّونَ , فَيَقُولُونَ : صَفِرَانِ ; لِلْمُحَرَّمِ وَصَفَرٍ ; وَيَنْسَئُونَ : فَيَحُجُّونَ عَامًا فِي شَهْرٍ , وَعَامًا فِي غَيْرِهِ . وَيَقُولُونَ : إنْ أَخْطَأْنَا مَوْضِعَ الْمُحَرَّمِ , فِي عَامٍ أَصَبْنَاهُ فِي غَيْرِهِ . فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { إنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ } الْآيَةَ . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) : ( إنَّ الزَّمَانَ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ; السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا ; مِنْهَا أَرْبَعٌ حُرُمٌ : ثَلَاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقِعْدَةِ , وَذُو الْحِجَّةِ , وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبٌ شَهْرُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ ) .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَلَا شَهْرَ يُنْسَأُ , وَسَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) : الْمُحَرَّمَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ .