من طرف love@egypt السبت سبتمبر 06, 2008 1:18 pm
بعد فترة قصيرة من التفاؤل في أوائل عهد مبارك أصاب الكثيرين من المثقفين المصريين شعور بالإحباط زادت قوته شيئاً فشيئاً خلال العشرين سنة الأخيرة، ولكن اتسم عهد مبارك أيضاً ببعض السمات التي سمحت لصور جديدة من الفساد بأن تترعرع بين المثقفين.
فمن ناحية، ظهر مع مرور سنة بعد أخري أن سياسة العهد الجديد لن تختلف في أي شيء مهم عن السياسة التي دشنها السادات، سواء في الاقتصاد أو في العلاقة مع العرب أو مع الولايات المتحدة أو إسرائيل. نعم، كانت اللهجة أهدأ، واختفت النبرة الحادة التي اتسم بها أسلوب السادات، والتي كانت تلائم تدشين سياسة جديدة،
أما الآن فكل شيء يسير في نفس الطريق دون تشنج ودون صياح. الانفتاح مستمر، بل بدرجة أكثر فجاجة ولكن دون محاولة للتبرير أو الدفاع. وإهمال القطاع العام ثم بيعه يسير بمعدل أسرع ولكن في صمت. والعلاقة مع البلاد العربية الأخري بقيت فاترة ولكن دون توجيه الإهانات. والتبعية للولايات المتحدة استمرت واقترنت بإذلال أكبر ومهانة أشد، ولكن دون تسمية الساسة الأمريكيين بالأصدقاء، كما كان يفعل السادات، ودون مبالغة في الاحتفاء بهم. أما إسرائيل فظلت طلباتها مجابة، وعقدت معها اتفاقيات اقتصادية بالغة الأهمية، وتمهد الطريق لتبعية الاقتصاد المصري لها، ولكن هذه الاتفاقيات تعقد بسرعة ودون مناقشة، وكأنها اتفاقيات سرية، ويتم توطيد العلاقات بين مصر وإسرائيل دون أن تتم زيارة من الرئيس المصري لإسرائيل تطبل لها وسائل الإعلام وتزمر.
في مناخ كهذا كان لابد أن يسود اليأس من حدوث التغيير المأمول. وفي ظل هذه الدرجة من اليأس يبرز نوع جديد من المثقفين القناصين للفرص، يائسون هم أيضاً كغيرهم، فيما يتعلق بالمستقبل المصري، ولكنهم أبعد ما يكونون عن اليأس فيما يتعلق بتحسين أحوالهم الشخصية. فحين يختفي مشروع للنهضة يوحد الجميع ويمنح فرصة للموهوبين من المثقفين للتألق، لا يبقي إلا المشروعات الخاصة التي تجلب للمثقف وأسرته الثراء وبحبوحة العيش. بعبارة أخري: إذا كانت الموهبة لم تعد مطلوبة لتحقيق نهضة الأمة، فلا مفر من توجيهها لتحقيق الثراء.
ولكن هذا الغياب لمشروع للنهضة يثير الحماس بين الناس ويوحدهم، لم يكن العامل الوحيد لإفساد المناخ الثقافي في مصر. فقد تضافر هذا مع عوامل أخري خلال العشرين عاماً الأخيرة لإحداث مزيد من التدهور.
ففي الوقت الذي ضعفت فيه الآمال في حدوث نهضة عامة، زاد انفتاح مصر علي العالم، فتدفقت عليها السلع والاستثمارات الأجنبية، وانفتح بشدة الإعلام المصري علي المؤثرات الاقتصادية والاجتماعية الخارجية، من إعلانات عن السلع إلي التعرف علي أنماط جديدة للمعيشة أعلي بكثير من المتاح في مصر. سال لعاب الناس في مصر، خلال العقدين الماضيين (بما في ذلك لعاب المثقفين) شوقاً للوصول إلي هذه المستويات العالية من المعيشة، مما قوي الدافع إلي الخروج علي مقتضيات الواجب والأخلاق. وإذ حدث هذا في ظل تراخي معدل النمو الاقتصادي، وإنكماش فرص الهجرة إلي الخليج، أصبح التنافس يجري علي نصيب أكبر من كعكة ثابتة الحجم (أو تكاد أن تكون ثابتة الحجم)، مما يقوي بدوره الدافع إلي الفساد.