إذا كنت لا تقرأ إلا ما يُعجبك فقط ، فإنك إذاً لن تتعلم أبداً"....!
الكتابة صناعة يراد بها التعبير عن الخواطر والمحسوسات ، بوضع صحيح وأسلوب صريح ، وهي ذات ثلاثة أركان : الخاطر المراد إيضاحه ، وهو الإنشاء ، والوضع الذي يبدو به ذلك الإيضاح ، وهو البيان ، والكيفية التي يحصل بها ذلك ، وهو الأسلوب ، بحيث تكون الكتابة كما يقول المتخصصون هي الكلام المطلق المرسل من القريحة بلا كلفة ولا تصنع ، والكتابة - كما قيل - هي عشق لا شفاء منه ، أو كما قال أحدهم : هي جنة عذاب ، والمناسبات التي يمكن الكتابة عنها كثيرة ومتنوعة، لمن أراد ان يكتب و يتناول موضوعا اجتماعيا أو سياسيا أو ثقافيا أو اقتصاديا ، أو يكتب عن شهر الصيام أو العيدين أو اليوم الوطني .. إلى آخره، أو عن الجرائم التي تحدث وتعكر صفو الأمن ، و تهدد الوحدة الوطنية أو تبث روح الشقاق في المجتمع ، والمطلوب من الكاتب - أياً كان تصنيفه - أن يقدم مادة مكتوبة بأبسط لغة ممكنة ، حتى يقرأها ويفهمها ويتعامل معها الأكثرية من القراء ، لا أن يقدم مقالا (مسلوقا) ، ويتحول إلى مهرجاً يرتدي ثوب الأدب والعلم والثقافة ، فالبلاغة في الكتابة كما قالها توفيق الحكيم ) هي ما فهمته العامة ورضيت به الخاصة) ، أو كما قال ( الميداني) : خير الكلام ما قلّ وجلّ ودلّ ولم يملّ ، أو كما قال الجاحظ : أفضل الكلام ما كان قليله يغني عن كثيره ، ولا شك أن كل جهد بشري قاصر ، كما ان الكاتب الذي لا يتعمق غوصاً في قاع المجتمع ، لمعرفة مشاكله وهمومه ويحاول حلها ، لا يساوي ثمن حبر القلم الذي يكتب به ، كما ان الكاتب الذي يستخدم لغة (مقعرة ) تستعصي على القارئ العادي ، فهومهرج يحاول أن يكتب أي شيء ، لأن الكتابة الهادفة تحاول تغيير سلبيات واقعة , عبر الاستنارة والتحرر, وهذه المهمة الأصيلة ليست للمهرج الذي يدّعي شرف الفكر والثقافة ، لأن من يدّعيها يمكن أن يكون أي شيء, ولكن ليس مفكراً أو مثقفاً طليعياً ،
وتقول الحكمة العربية:
وما كل من هز الحسام بضارب**ولا كل من أجرى اليراع بكاتب...!
ان صناعة الإعلام في فترة التحديث والتجديد قد شهدت ثورات عديدة متنوعة الأساليب والأشكال والمضامين. والعامل المشترك الذي ميز هذه الثورات جميعاً "الصحافة المكتوبة والمذياع والتلفاز والتلغراف والتلكس والهاتف وغيرها" هي أنها تشكلت وتطورت ببطء بشكل جعل استيعابها أكثر نجاعة ومكّن الهيئات والجهات المسؤولة ضبطها بمعايير واضحة، وتحديد وتقنين استعمال عامة الناس لها بشكل لا يهدد ثبات ورسوخ سيطرة تلك الجهات ولا يساهم بتهديد ونسف بديهياتها من ثوابت اجتماعية وأخلاقية وأدبية.
ولعل أهم ما يميز ثورة "الانترنت" الأخيرة أنها تجاوزت، إلى حد بعيد، تلك البديهيات والمعايير والضوابط بشكل حد، بقدر كبير، من قدرة تلك الهيئات والجهات على مراقبة تفاعل الثورة الجديدة التي امتازت أيضاً عن سابقاتها بسرعة التفاعل والتجدد بشكل صعّب على أناس تربّوا على آليات العمل الإعلامي القديم أن يعتادوا عليها ويستوعبوا مستجداتها.
صحيح أن النظم الشمولية كبلت العمل الإعلامي الحر وحدت من خطاه، وصحيح أن النظم الاجتماعية الصارمة في تقليديتها حدت من قدرة الأفراد على التعبير الحر عن هموم ومسرات ولواعج النفوس والطبائع، الشيء الذي ولّد الحاجة إلى وسائل إعلام بديلة تعمل في الخفاء أو في المنفى والمهجر الخ.... من البدائل المعيقة والمعقدة. لكن الإندفاعة التي حققتها الثورة الجديدة والغائها الحاجة، بشكل شبه تام، لآليات المراقبة على مختلف أشكالها يحتم علينا النظر مجدداً بمدى فاعلية هذا السيف ذي الحدين "بل متعدد الحدود إن صح التعبير"، بل أن ثمة أسئلة مبدئية وأخلاقية يتوجب طرحها ومناقشتها بكل جرأة وشجاعة أزاء عمل أولئك الذين يستغلون هذه الوسيلة البديلة لوسائل الإعلام التقليدية ليكسروا كل قيد ويحطموا كل معيار مهني أو أخلاقي للعمل الإعلامي تحت حجاب السرية التي تمنحها إياهم آليات الثورة الجديدة.
إن مخاطبة الآخرين من وراء حجاب هي أمر مركب بالغ التعقيد فمن جهة يشعر الإنسان المعقب الذي لا يعرف جمهور المتلقين هويته "لا الجندرية ولا العمرية ولا الدينية أو القومية أو الاجتماعية" يشعر بحرية فائقة على التعبير إن كان ذلك نقداً للآخرين "أفراد أو مؤسسات" أو كان تعبيراً عن مشاعر عاطقية أو تعاطفية، لكن هذه الحرية إذا بالغنا باستعمالها كثيراً ما تودي بالمسرفين باستعمالها إلى الإسفاف، بل خلع كل ثوب للحياء الذي لا يضر وجوده في حالات كثيرة. بل إن اليقين الذي يتوفر لدى البعض بعدم انكشاف هويتهم الحقيقية يجعلهم يميلون إلى إهمال ضوابط الرقابة الذاتية التي كان يمارسها كل من كان له ظهور أو مساهمة في مضامين وسائل الإعلام التقليدية. فلا يعود يهمهم مستوى الاداء والدقة والخوف من محاسبة العارفين، بل عادة ما يميلون إلى التحامل على الغير والقذف بصفاتهم والطعن في قدراتهم بل أنهم لا يبخلون عليهم بسيل من الشتائم التي ما كانوا ليتلفظوا بها لو كان نتاجهم يظهر تحت خانة هويتهم الحقيقية. أما الكتاب الذين يظهرون تحت أسمائهم الحقيقية المعروفة لدى الجمهور فانهم غالباً ما تتجاذبهم قوتان: الأولى الرغبة بأن يعرفوا ويؤثروا من خلال ما يكتبونه. ومن جهة أخرى تكون المادة التي يكتبونها، عند دخولها الحيز العام، تحت طائل من أراد التعقيب عارفاً كان أم جاهلاً، محباً أم كارهاً، ساخطاً أم متعاطفاً.
أما القائمون على المواقع والمسؤولون عن تحديد سياستها فوضعهم لا يقل صعوبة عن وضع من يظهروا بأسمائهم الصريحة من الكتاب بل أكثر. وذلك لأن عليهم أن يقرروا سياسة النشر وحدودها وما يجوز نشره من تعقيبات وما لا يجوز. وهم في ذلك بين نارين: نار الحفاظ على الذوق العام أو حدود الخط السياسي أو الأخلاقي الذي يلتزم به الموقع ونار الحفاظ على حرية التعبير ومنح فرصة متساوية للجميع في الكتابة والرد والتعقيب مع الحد الأدنى من الرقابة على المضامين.
نتيجة للصراع بين هاتين النارين بدأت تتبدى لنا في الآونة الأخيرة ثلاثة أنماط من تعامل القائمين على المواقع مع المساهمين في المضامين من كتاب ومعقبين: الأول توجه يبيح تقريباً كافة المحظورات وينشر معظم ما يبعث إليه من مقالات وتعقيبات دون تدخل يذكر لا في المضامين ولا في اللغة أو الأسلوب بشكل يجعل مئات التعقيبات على مقال معين لا تمت للموضوع بصلة، فبعضهم يبعث بسلاماته وتحياته إلى الأحبة والأصدقاء والبعض الآخر يتفنن باختراع الأسماء المستعارة وبعضهم يعلق على أسماء أبتدعها غيره وهكذا دواليك. أما التعقيبات المتعلقة بالمادة التي وردت تحتها فهي، إن وجدت، تكون على الأغلب سطحية تتعلق بشخص كاتب المقال أو علاقة المعقب به إذ ليس من النادر أن نرى افتخار ابن قرية أو مدينة او حمولة بابن قريته أو مدينته وحمولته بل اننا نرى في بعض الأحيان افتخار الابن بأبيه وابنة الأخت بخالها وغير ذلك من عجائب التراكيب والعلائق.
الكتابة صناعة يراد بها التعبير عن الخواطر والمحسوسات ، بوضع صحيح وأسلوب صريح ، وهي ذات ثلاثة أركان : الخاطر المراد إيضاحه ، وهو الإنشاء ، والوضع الذي يبدو به ذلك الإيضاح ، وهو البيان ، والكيفية التي يحصل بها ذلك ، وهو الأسلوب ، بحيث تكون الكتابة كما يقول المتخصصون هي الكلام المطلق المرسل من القريحة بلا كلفة ولا تصنع ، والكتابة - كما قيل - هي عشق لا شفاء منه ، أو كما قال أحدهم : هي جنة عذاب ، والمناسبات التي يمكن الكتابة عنها كثيرة ومتنوعة، لمن أراد ان يكتب و يتناول موضوعا اجتماعيا أو سياسيا أو ثقافيا أو اقتصاديا ، أو يكتب عن شهر الصيام أو العيدين أو اليوم الوطني .. إلى آخره، أو عن الجرائم التي تحدث وتعكر صفو الأمن ، و تهدد الوحدة الوطنية أو تبث روح الشقاق في المجتمع ، والمطلوب من الكاتب - أياً كان تصنيفه - أن يقدم مادة مكتوبة بأبسط لغة ممكنة ، حتى يقرأها ويفهمها ويتعامل معها الأكثرية من القراء ، لا أن يقدم مقالا (مسلوقا) ، ويتحول إلى مهرجاً يرتدي ثوب الأدب والعلم والثقافة ، فالبلاغة في الكتابة كما قالها توفيق الحكيم ) هي ما فهمته العامة ورضيت به الخاصة) ، أو كما قال ( الميداني) : خير الكلام ما قلّ وجلّ ودلّ ولم يملّ ، أو كما قال الجاحظ : أفضل الكلام ما كان قليله يغني عن كثيره ، ولا شك أن كل جهد بشري قاصر ، كما ان الكاتب الذي لا يتعمق غوصاً في قاع المجتمع ، لمعرفة مشاكله وهمومه ويحاول حلها ، لا يساوي ثمن حبر القلم الذي يكتب به ، كما ان الكاتب الذي يستخدم لغة (مقعرة ) تستعصي على القارئ العادي ، فهومهرج يحاول أن يكتب أي شيء ، لأن الكتابة الهادفة تحاول تغيير سلبيات واقعة , عبر الاستنارة والتحرر, وهذه المهمة الأصيلة ليست للمهرج الذي يدّعي شرف الفكر والثقافة ، لأن من يدّعيها يمكن أن يكون أي شيء, ولكن ليس مفكراً أو مثقفاً طليعياً ،
وتقول الحكمة العربية:
وما كل من هز الحسام بضارب**ولا كل من أجرى اليراع بكاتب...!
ان صناعة الإعلام في فترة التحديث والتجديد قد شهدت ثورات عديدة متنوعة الأساليب والأشكال والمضامين. والعامل المشترك الذي ميز هذه الثورات جميعاً "الصحافة المكتوبة والمذياع والتلفاز والتلغراف والتلكس والهاتف وغيرها" هي أنها تشكلت وتطورت ببطء بشكل جعل استيعابها أكثر نجاعة ومكّن الهيئات والجهات المسؤولة ضبطها بمعايير واضحة، وتحديد وتقنين استعمال عامة الناس لها بشكل لا يهدد ثبات ورسوخ سيطرة تلك الجهات ولا يساهم بتهديد ونسف بديهياتها من ثوابت اجتماعية وأخلاقية وأدبية.
ولعل أهم ما يميز ثورة "الانترنت" الأخيرة أنها تجاوزت، إلى حد بعيد، تلك البديهيات والمعايير والضوابط بشكل حد، بقدر كبير، من قدرة تلك الهيئات والجهات على مراقبة تفاعل الثورة الجديدة التي امتازت أيضاً عن سابقاتها بسرعة التفاعل والتجدد بشكل صعّب على أناس تربّوا على آليات العمل الإعلامي القديم أن يعتادوا عليها ويستوعبوا مستجداتها.
صحيح أن النظم الشمولية كبلت العمل الإعلامي الحر وحدت من خطاه، وصحيح أن النظم الاجتماعية الصارمة في تقليديتها حدت من قدرة الأفراد على التعبير الحر عن هموم ومسرات ولواعج النفوس والطبائع، الشيء الذي ولّد الحاجة إلى وسائل إعلام بديلة تعمل في الخفاء أو في المنفى والمهجر الخ.... من البدائل المعيقة والمعقدة. لكن الإندفاعة التي حققتها الثورة الجديدة والغائها الحاجة، بشكل شبه تام، لآليات المراقبة على مختلف أشكالها يحتم علينا النظر مجدداً بمدى فاعلية هذا السيف ذي الحدين "بل متعدد الحدود إن صح التعبير"، بل أن ثمة أسئلة مبدئية وأخلاقية يتوجب طرحها ومناقشتها بكل جرأة وشجاعة أزاء عمل أولئك الذين يستغلون هذه الوسيلة البديلة لوسائل الإعلام التقليدية ليكسروا كل قيد ويحطموا كل معيار مهني أو أخلاقي للعمل الإعلامي تحت حجاب السرية التي تمنحها إياهم آليات الثورة الجديدة.
إن مخاطبة الآخرين من وراء حجاب هي أمر مركب بالغ التعقيد فمن جهة يشعر الإنسان المعقب الذي لا يعرف جمهور المتلقين هويته "لا الجندرية ولا العمرية ولا الدينية أو القومية أو الاجتماعية" يشعر بحرية فائقة على التعبير إن كان ذلك نقداً للآخرين "أفراد أو مؤسسات" أو كان تعبيراً عن مشاعر عاطقية أو تعاطفية، لكن هذه الحرية إذا بالغنا باستعمالها كثيراً ما تودي بالمسرفين باستعمالها إلى الإسفاف، بل خلع كل ثوب للحياء الذي لا يضر وجوده في حالات كثيرة. بل إن اليقين الذي يتوفر لدى البعض بعدم انكشاف هويتهم الحقيقية يجعلهم يميلون إلى إهمال ضوابط الرقابة الذاتية التي كان يمارسها كل من كان له ظهور أو مساهمة في مضامين وسائل الإعلام التقليدية. فلا يعود يهمهم مستوى الاداء والدقة والخوف من محاسبة العارفين، بل عادة ما يميلون إلى التحامل على الغير والقذف بصفاتهم والطعن في قدراتهم بل أنهم لا يبخلون عليهم بسيل من الشتائم التي ما كانوا ليتلفظوا بها لو كان نتاجهم يظهر تحت خانة هويتهم الحقيقية. أما الكتاب الذين يظهرون تحت أسمائهم الحقيقية المعروفة لدى الجمهور فانهم غالباً ما تتجاذبهم قوتان: الأولى الرغبة بأن يعرفوا ويؤثروا من خلال ما يكتبونه. ومن جهة أخرى تكون المادة التي يكتبونها، عند دخولها الحيز العام، تحت طائل من أراد التعقيب عارفاً كان أم جاهلاً، محباً أم كارهاً، ساخطاً أم متعاطفاً.
أما القائمون على المواقع والمسؤولون عن تحديد سياستها فوضعهم لا يقل صعوبة عن وضع من يظهروا بأسمائهم الصريحة من الكتاب بل أكثر. وذلك لأن عليهم أن يقرروا سياسة النشر وحدودها وما يجوز نشره من تعقيبات وما لا يجوز. وهم في ذلك بين نارين: نار الحفاظ على الذوق العام أو حدود الخط السياسي أو الأخلاقي الذي يلتزم به الموقع ونار الحفاظ على حرية التعبير ومنح فرصة متساوية للجميع في الكتابة والرد والتعقيب مع الحد الأدنى من الرقابة على المضامين.
نتيجة للصراع بين هاتين النارين بدأت تتبدى لنا في الآونة الأخيرة ثلاثة أنماط من تعامل القائمين على المواقع مع المساهمين في المضامين من كتاب ومعقبين: الأول توجه يبيح تقريباً كافة المحظورات وينشر معظم ما يبعث إليه من مقالات وتعقيبات دون تدخل يذكر لا في المضامين ولا في اللغة أو الأسلوب بشكل يجعل مئات التعقيبات على مقال معين لا تمت للموضوع بصلة، فبعضهم يبعث بسلاماته وتحياته إلى الأحبة والأصدقاء والبعض الآخر يتفنن باختراع الأسماء المستعارة وبعضهم يعلق على أسماء أبتدعها غيره وهكذا دواليك. أما التعقيبات المتعلقة بالمادة التي وردت تحتها فهي، إن وجدت، تكون على الأغلب سطحية تتعلق بشخص كاتب المقال أو علاقة المعقب به إذ ليس من النادر أن نرى افتخار ابن قرية أو مدينة او حمولة بابن قريته أو مدينته وحمولته بل اننا نرى في بعض الأحيان افتخار الابن بأبيه وابنة الأخت بخالها وغير ذلك من عجائب التراكيب والعلائق.