فأجابه سماك اليهودي ، فقال :
إن تفخروا فهو فخر لكم * بمقتل كعب أبي الأشرف
غداة غدوتم على حتفه * ولم يأت غدرا ولم يخلف
فعلَّ الليالي وصرف الدهور * يدين من العادل المنصف
بقتل النضير وأحلافها * وعقر النخيل ولم تقطف
فإن لا أمت نأتكم بالقنا * وكل حسام معا مرهف
بكف كمي به يحتمي * متى يلق قرنا له يتلف
مع القوم صخر وأشياعه * إذا غاور القوم لم يضعف
كليث بترج حمى غيله * أخي غابة هاصر أجوف
كعب بن مالك يقول شعرا في إجلاء بني النضير ومقتل كعب بن الأشرف
قال ابن إسحاق : وقال كعب بن مالك يذكر اجلاء بني النضير وقتل كعب بن الأشرف :
لقد خزيت بغدرتها الحبور * كذلك الدهر ذو صرف يدور
وذلك أنهم كفروا برب * عزيز أمره أمر كبير
وقد أوتوا معا فهما وعلما * وجاءهم من الله النذير
نذير صادق أدى كتابا * وآيات مبينة تنير
فقالوا ما أتيت بأمر صدق * وأنت بمنكر منا جدير
فقال بلى لقد أديت حقا * يصدقني به الفهم الخبير
فمن يتبعه يهد لكل رشد * ومن يكفر به يجز الكفور
فلما أشربوا غدرا وكفرا * وحاد بهم عن الحق النفور
أرى الله النبي برأي صدق * وكان الله يحكم لا يجور
فأيده وسلطه عليهم * وكان نصيره نعم النصير
فغودر منهم كعب صريعا * فذلت بعد مصرعه النضير
على الكفين ثم وقد علته * بأيدينا مشهرة ذكور
بأمر محمد إذا دس ليلا * إلى كعب أخا كعب يسير
فماكره فأنزله بمكر * ومحمود أخو ثقة جسور
فتلك بنو النضير بدار سوء * أبارهم بما اجترموا المبير
غداة أتاهم في الزحف رهوا * رسول الله وهو بهم بصير
وغسان الحماة موازره * على الأعداء وهو لهم وزير
فقال السلم ويحكم فصدوا * وحالف أمرهم كذب وزور
فذاقوا غب أمرهم وبالا * لكل ثلاثة منهم بعير
وأجلوا عامدين لقينقاع * وغودر منهم نخل ودور
سماك اليهودي يرد على كعب بن مالك
فأجابه سماك اليهودي ، فقال :
أرقت وضافني هم كبير * بليل غيره ليل قصير
أرى الأحبار تنكره جميعا * وكلهم له علم خبير
وكانوا الدارسين لكل علم * به التوراة تنطق والزبور
قتلتم سيد الأحبار كعبا * وقدما كان يأمن من يجير
تدلى نحو محمود أخيه * ومحمود سريرته الفجور
فغادره كأن دما نجيعا * يسيل على مدارعه عبير
فقد وأبيكم وأبي جميعا * أصيبت إذ أصيب به النضير
فإن نسلم لكم نترك رجالا * بكعب حولهم طير تدور
كأنهم عتائر يوم عيد * تذبح وهي ليس لها نكير
ببيض لا تليق لهن عظما * صوافي الحدي أكثرها ذكور
كما لاقيتم من بأس صخر * بأحد حيث ليس لكم نصير
عباس بن مرداس يمدح رجال بني النضير
وقال عباس بني مرداس أخو بن سليم يمتدح رجال بني النضير :
لو أن أهل الدار لم يتصدعوا * رأيت خلال الدار ملهى وملعبا
فإنك عمري هل أريك ظعائنا * سلكن على ركن الشطاة فتيأبا
عليهن عين من ظباء تبالة * أوانس يصبين الحليم المجربا
إذا جاء باغي الخير قلن فجاءة * له بوجوه كالدنانير مرحبا
وأهلا فلا ممنوع خير طلبته * ولا أنت تخشى عندنا أن تؤنبا
فلا تحسبن كنت مولى ابن مشكم * سلام ولا مولى حيي بن أخطبا
خوات بن جبير يرد عليه
فأجابه خوات بن جبير أخو بني عمرو بن عوف ، فقال :
تبكي على قتلى يهود وقد ترى * من الشجو لو تبكي أحب وأقربا
فهلا على قتلى ببطن أرينق * بكيت ولم تعول من الشجو مسهبا
إذا السلم دارت في صديق رددتها * وفي الدين صدادا وفي الحرب ثعلبا
عمدت إلى قدر لقومك تبتغي * لهم شهبا كيما تعز وتغلبا
فإنك لما أن كلفت تمدحا * لمن كان عيبا مدحه وتكذبا
رحلت بأمر كنت أهلا لمثله * ولم تلف فيهم قائلا لك مرحبا
فهلا إلى قوم ملوك مدحتهم * تبنوا من العز المؤثل منصبا
إلى معشر صاروا ملوكا وكرموا * ولم يلف فيهم طالب العرف مجدبا
أولئك أحرى من يهود بمدحة * تراهم وفيهم عزة المجد ترتبا